حسن مشهور: الداخل السعودي .. إلى أين ؟

حسن مشهور: الداخل السعودي .. إلى أين ؟

شارك

تتوالى الأعمال الإرهابية ذات الصبغة الطائفية في داخلنا السعودي، ذلك الداخل الذي لم يُعرَف عبر عقود – وتحديدًا قبل عام 1979م، سوى حالة من التآلف بين المكون الإجتماعي وتعايش مشترك تغلفه حميمية إجتماعية تتسم بالبساطة وحب الخير للغير.

 

كنا نُصلي لله، وكنا نتجاور في السكنى ونتعامل في الأسواق فلا نعرف السني من الشيعي، فالجميع يُحب بلاده والجميع ينشُد العيش في سلام. نعم لم يكن مجتمعنا ملائكي، ولكنه في ذات الوقت لم يكن طائفي. الجميع كان يُطبق دون أن يعي مقولة الزعيم المصري الخالد مصطفى كامل: (الدين لله .. والوطن للجميع).

 

بعد عام 79م، تغيرت العديد من الأمور واختلطت الأوراق، وكيف لا! وزعيم الثورة الخميني كان يُصدّر خطبه النارية لشيعة العالم، وتحديدًا لشيعة الخليج بما فيهم أبناء المملكة من الطائفة الشيعية، مشيرًا لهم بطرف خفي إلى أنهم يعانون من الإقصاء ومحاولات الإنتقاص والتقزيم، وأن الأمل الوحيد لهم في الخروج من هذا الوضع هو عبر الإرتماء في أحضان الثورة الخمينية الوليدة.

 

الراشدين والعقلاء وكبار السن من أبناء الطائفة السنية في وطننا السعودي قد أدركوا أبعاد اللعبة الخمينية فلم ينجرفوا لها، ولكن العديد من الشباب الشيعي قد فتنهم الوهج الثوري وأخذ بألبابهم، فانسلوا إلى المدن المقدسة لدى الشيعة فتلقوا معتقدًا شيعيًا جديدًا ومغايرًا لما تعلموه في الصغر، أعاد وضع لبناته وعدل الكثير من مكوناته الخميني، بحيث يجعل من الفقيه وليًا للأمر ويُعلن حالة من الإحتراب مع المكون السني في المجتمعات السنية. ومن ثم التحق العديد منهم بإيران في حربها مع العراق في الثمانينيات فذهبوا ضحايا لمحرقة حرب كان محركها، والباعث الأولي لها هي المصالح الإقتصادية وزيادة النفوذ السياسي لطهران في منطقة الشرق الأوسط.

 

في حين أن من نجا منهم من الحرب وعاد لوطنه، قد عاد وهو يحمل في ذهنه الفاعل الحالة الشيعية في صورتها الخُمينية ثم عمد إلى تلقينها لغيره ممن مرروها بعد ذلك للأجيال التي تلتهم. فتلاشت حالة السلمية الشيعية في صورتها الأولية وحلت عوض عنها شيعية صدامية ترتهن في خطابها لإملاءات الخارج. أي أن معتقد ولاية الفقية الذي أعاد أحيائه روح الله الخميني، قد استطاع بزخمه الثوري أن يتغلب – لدى البعض – على حالة السلم والتآخي والتي كانت أبرز سمة للشيعية التقليدية في بلادنا لعقود.

 

في المقابل كانت الصحوة قد نشطت وبلغت أوجها في مرحلة غزو السوفييت للجمهورية الأفغانستانية، فتوجه العديد – ممن تم استلاب عقولهم من قبل رموز الراديكالية في بلادنا – إلى كابول وقندهار وغيرها من المدن الأفغانية. وكانوا بالتالي محرقة لحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فالعديد قد حصدتهم مناجل الحرب في المعارك التي خاضوها إلى جانب الأفغان؛ بل المؤسف أن في غالبية تلك الحروب قد كان أبنائنا في المقدمة ففي معركتي (المأسدة) و(الإنحياز) قضى العديد من زهرة شباب وطني نحبهم وهم يحسبون أنهم يجاهدون لإعلاء كلمة الله ضد الروس الملاحدة.

 

ومن عاد منهم لوطني، قد عاد وهو يحمل بذرة التكفير، ويرى أن الهرم الإجتماعي لوطني ابتداء من القمة ووصول إلى القاع كله قد تسربل بالكفر. وأن العلماء كلاب سلطة وأن الشعب كافر حلال دمه وسبي نسائه، ومصادرة أمواله. هؤلاء الشباب الذين تشربوا عقيدة التكفير كانوا وبال على الداخل السعودي حينذاك. فالبعض منهم قد دخلوا في صدامات مع السلطة والشعب وقارفت أيديهم العديد من العمليات الإرهابية الآثمة ضد كل ماهو سعودي وضد كل ماهو جميل في وطننا.

 

البعض الآخر منهم، بقي كخلايا نائمة ينتظر متربصًا، ينتظر انتهاز الفرصة للإنقضاض على مفاصل الوطن وتقطيع أطرافه، ويسعى في ذات الوقت بالتعاون مع رموز الصحوة التحريضيين، ممن بدلوا جلودهم ظاهريًا كي لا تلحقهم مساءلة وكي يستطيعوا أن يلقوا قبولًا من المجتمع لضمان تحركهم على الساحة بسهولة، أقول بأن أعضاء الخلايا النائمة قد عملوا في الخفاء وبالشراكة مع رموز الصحوة ودعاتها على تجنيد المزيد من الأنصار وعلى تمرير أطروحتهم التكفيرية بين المكون المجتمعي في بلادي.

 

وهكذا فقد مارس هؤلاء الحركيين إعادة انتشار ثم عمدوا لتنفيذ المزيد من عملياتهم الإرهابية ضد الداخل الوطني وتحديدًا عقب أحداث 11 سبتمبر، لكن عندما جوبهوا بوقفة جادة من رجال الأمن السعودي البواسل وبعمليات استباقية أُجهضت الكثير من مخططاتهم وكذلك بحالة اصطفاف للجماهير السعودية خلف قيادتها، فقد رأوا أنه قد حان الوقت لتغيير استراتيجيتهم التقليدية والمتمثلة في الصدام المسلح مع السلطة.

 

وأدركوا أن تحقيق أجندتهم لن يتم إلا عبر تفتيت الرابطة السنية الشيعية، والعزف على وتر الطائفية، الأمر الذي سيخلق أزمة هوية في الداخل السعودي، وسيدمر السلم الأهلي ويفتت اللحمة الداخلية للبلد ويؤدي لاحقًا لتفسخ الدولة واضمحلالها من خلال إدخالها في نفق الحرب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس ولاتبقي ولاتذر.

 

ساعدهم في ذلك أن تنبهوا لذلك الحضور الذي مثلته السوشيال ميديا والشبكة العنكبوتية في الداخل السعودي، ورأوا أن تحقق أجندتهم المريضة سيتمثل عبر توظيفها بذكاء وإحترافية، فعمدوا لإنشاء حسابات وهمية تحمل أسماء مزيفة لعناصر ينتمون لكلا المذهبين السني والشيعي. ومن خلال هذه الحسابات كانوا يوهمون عناصر المجتمع من أبناء الطائفة الشيعية بأن حقوقهم مستلبة وأنهم يواجهون الإنتقاص والإقصاء من صانع القرار لدينا.

 

في ذات الوقت الذين يخاطبون فيه أبناء الطائفة السنية، وعبر تلك الحسابات المزيفة والوهمية والتي أنشئت تحت مسميات سنية كذلك؛ بأن – كافة – أبناء الطائفة الشيعية ولائهم للخارج وأنهم قد ارتهنوا في قراراتهم له، وأنهم يتربصون بالسنة الدوائر ويشكلون خطر على البلد وأمنه واستقراره .

 

خفافيش الظلام هؤلاء قد نجحوا – إلى حد ما – في شحن النفوس وفي خلق حالة احتقان طائفي، لكن الأخطر من ذلك أن هناك أفراد من المؤثرين ومن كلا الطائفتين قد تلقفوا هذه الأكاذيب وسعوا عن جهل منهم لتمريرها وعلى نطاق أوسع.

 

وما هذه الأحداث المؤسفة التي شهدتها الساحة السعودية مؤخرًا من الإعتداء على دور العبادة الخاصة بالطائفة الشيعية وقبل ذلك الإعتداء على رجال الأمن في العوامية وغيرها من الأماكن، إلا خير دليل على ذلك.

 

والملاحظ أن هذه الإعتداءات قد نشطت في الوقت الذي تواجه فيه الدولة عدوًا خارجيًا متمثلًا في الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران والمتحالفة مع المخلوع صالح وحرسه الجمهوري، والتي سعت للإعتداء على حدنا الجنوبي ومارست عمليات القتل بحق أبنائه. أي أن هؤلاء الظلاميين يهدفون من عملياتهم الإرهابية هذه أن يشغلوا من على الجبهة من جنودنا المرابطين البواسل بالأحداث الداخلية للبلد، وفي ذات الوقت يسعون لإشعال حرب أهلية، لو قدر لها أن تشتعل في الداخل السعودي – لاقدر الله – فإن خسارتنا لن تكون بالهينة ولا اليسيرة.

 

لكني على يقين، بأن مفاتيح إغلاق كل ذلك بيد العقلاء من أبناء وطني ومن أبناء كافة طوائفه، بالوقوف جنب إلى جنب ومواجهة أي طارئ والإصطفاف وراء قيادتهم وقول كلمة ( لا ) للإرهاب و( لا ) للطائفية و( لا ) لكل أشكال العنف ولكل ما يُشكل خطر على وحدتنا ودولتنا وعلى شعبنا السعودي الكريم.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.