الرجال يقودون النساء إلى مراكز الاقتراع في السعودية

الرجال يقودون النساء إلى مراكز الاقتراع في السعودية

(أ ف ب)

شارك

يتكرر المشهد أمام مراكز الاقتراع المخصصة للنساء في الرياض، إذ تصل سيارة يقودها رجل، تترجل منها امرأة ترتدي عباءة سوداء وغالبا ما يكون وجهها مغطى، قبل أن تدخل للتصويت في أول انتخابات تشارك فيها النساء في تاريخ المملكة.

عند البوابة المؤدية إلى داخل المركز، تجمع عدد من الصحافيين والمراسلين، محاولين التحدث مع النساء اللواتي فضل العديد منهن عدم الادلاء بآرائهن، أو طلبن من رجال الأمن منع التصوير. وتجاوب هؤلاء بالطلب من الجميع الابتعاد بعض الشيء عن المدخل، من دون أن يمنعوهم من الاقتراب من النساء في حال لم يمانعن بذلك.

في سيارته الرمادية اللون، أمضى محمد صعب الشمري (53 عاما)، قرابة 15 دقيقة في انتظار ابنته التي تعمل مدرسة بعدما دخلت للأدلاء بصوتها. وقال “أنا شجعت أبنتي على الانتخاب، نريد أن نكسر هذا الحاجز”، وهو أوصلها بنفسه لتشارك في الاقتراع، بعدما أدلى بصوته في مركز آخر.

أضاف “طالما أن مكانها خاص ولا اختلاط، ما الذي يمنع أن تدلي بصوتها؟”، مشددا على أن “صوتي مع صوتها مع صوت الآخرين… يقدم مردودا”.

وانتخابات المجالس البلدية البالغ عددها 284، هي عملية الاقتراع المباشرة الوحيدة في السعودية. وبدأ تنظيم هذه الانتخابات في عهد العاهل الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز عام 2005، الذي تعهد في دورة 2011، بإشراك النساء في دورة سنة 2015.

وتعد مشاركة النساء في هذه الانتخابات اختراقا في المملكة التي تطبق الشريعة الإسلامية بشكل صارم، وتفرض قيودا عليهن تشمل منع قيادة السيارات، وارتداء النقاب أو العباءة السوداء على الأقل في الأماكن العامة، حيث يطبق أيضا الفصل بين الذكور والإناث.

ويقول الشمري “الشعب هنا متقيد بشريعة وعادات. إذا كان المكان يضمن الحشمة وعدم الاختلاط، لا مانع من أن تشارك المرأة في الادلاء بصوتها”.

وخصص قلم اقتراع لكل من الرجال والنساء في المركز الانتخابي. وتشابه التوزيع في داخل المراكز، بحسب ما افادت سيدات شاركن في الادلاء بأصواتهن في مراكز النساء.

وشملت الإجراءات التأكد من إدراج اسماء الناخبين والناخبات بحسب لوائح معلقة على الجدران، ثم التوجه إلى مسؤولي المركز أو المسؤولات للتأكد من الأوراق الثبوتية، قبل أخذ لائحة بالمرشحين والمرشحات في الدائرة الانتخابية. ثم يتوجه المقترعون إلى خلف عوازل موضوعة على طاولات، حيث يحق لكل منهم اختيار اسم واحد فقط، قبل الانتقال لوضع ورقة الاقتراع في الصندوق الشفاف الموضوع على طاولة وسط القاعة.

حضور جيد

خارج المركز نفسه، تابعت المرشحة أمل بدر الدين الصواري بعض مجريات العملية الانتخابية، بعدما أدلت طبيبة الأطفال البالغة 60 عاما بصوتها في مركز آخر. وقالت “تفاءلوا بالخير تجدوه”، معتبرة أنه “كان ثمة حضور نسائي جيد”.

وتبدو هذه السيدة التي ارتدت عباءة سوداء وغطت رأسها بحجاب من اللون نفسه، متفائلة.

وتقول “أنا طبيبة عملت وسط الرجال لسنوات (…) مجتمعنا إلى حد ما ذكوري ظاهريا، لكن المرأة تعمل في كل مكان”.

وتوضح وهي جالسة في المقعد الخلفي لسيارتها، أن احتمالات الفوز لأي من المرشحات ليست مرتفعة. تضيف “أضع في مقياسي أن أقوم بما أقدر عليه، والباقي على الله”.

وتشارك في الانتخابات أكثر من 900 مرشحة يتنافسن مع قرابة ستة آلاف رجل. وتحظى المجالس بدور محدود، يرتبط عموما بالاهتمام بالشوارع والساحات وشؤون بلدية أخرى.

ونظرا إلى أنظمة الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، لم يتح للنساء المرشحات لقاء الناخبين الرجال بشكل مباشر، علما أن هؤلاء يشكلون غالبية الناخبين. كما شكت سيدات من صعوبات بيروقراطية شابت تسجيل الاسماء، ونقص في الاطلاع على أهمية ذلك.

وتبلغ نسبة النساء من الناخبين أقل من عشرة بالمئة، وتبقى التوقعات متواضعة بانتخاب سيدة. إلا أن ثلث أعضاء المجلس يتم تعيينهم، ما يترك نوعا من الأمل للنساء بتسميتهن.

لا تحفظ

وشكا بعض الناخبين من ضعف الحملات التي قام بها المرشحون والمرشحات.

ويقول أحمد عبد العزيز الصليبي (78 عاما) بعد خروجه من مركز اقتراع “المرشحون لم يوصلوا صوتهم للناخبين. انتخبت على أساس ما احفظه من معلومات” عن أحد المرشحين في دائرته.

إلا أنه يشدد على أن قراره بعدم التصويت لامرأة نابع من هذا المنطلق فقط.

ويوضح الصليبي “ليس عندي أي تحفظ على المرأة. يجب أن تأخذ دورها بالكامل”، متابعا “الزمن يتقدم ولا يتأخر، وهذا في مسيرة الشعوب كلها”.

وبدأت سلطات المملكة بمنح دور أكبر، وأن بشكل محدود، للنساء، خصوصا عبر تعيين سيدات لعضوية مجلس الشورى الذي ما زال اعضاؤه يعينون. وإضافة إلى تخفيف القيود على النساء، يأمل سعوديون بأن تكون الانتخابات مقدمة لتجارب أوسع.

ويقول الصليبي “الانتخابات (البلدية) مهمة، ومقدمة لانتخابات أوسع ستأتي لاحقا بعد هذه التجارب البطيئة”، مقرا في الوقت نفسه بالحاجة “على أقل تقدير إلى عشر سنين أو عشرين سنة” لإجراء انتخابات برلمانية، لكن “حتى لو انتخبنا خمسين بالمئة، سيكون جيدا”.

وفي موقف المركز الانتخابي الأول، يستعد الشمري للمغادرة بعدما أدلت ابنته بصوتها.

وردا على سؤال عما إذا كان سيوافق يوما على ترشحها، يتردد لبعض الوقت، قبل أن يقول “إذا لا (يوجد) اختلاط ولا ما يخالف الشريعة… نحن مع كل ما لا يخالف الشريعة”.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.