السعودية تدفع ثمن «مراوغة الغرب» وتتحمل مواجهة «المد الفارسي» وحماية الخليج

السعودية تدفع ثمن «مراوغة الغرب» وتتحمل مواجهة «المد الفارسي» وحماية الخليج

شارك

المواقف الاستراتيجية، والتحركات الدولية، والأدوار الفاعلة، والأسلحة الرادعة، ودعم دول عربية للمملكة، كلها معطيات تشير إلى قدرة السعودية على مواجهة الأطماع الإيرانية، وحماية أمن الخليج العربي، بعد تراجع الغرب في مواقفه إزاء الأخطار المحدقة بالمنطقة.

منذ يومين أعلنت فرنسا عن عقد صفقة أسلحة مع المملكة، وهو أمر ليس بمستغرب، بل واقع تفرضه حالة التوتر الذى تشهده المنطقة.

ذلك التوتر المتنامي مع تصاعد النفوذ الإيراني المدعوم من روسيا، بالتزامن مع مؤشرات عن تراجع القوى الغربية أمام تدخل موسكو فى سوريا، والذى تمثل في الاكتفاء بالتصريحات الشاجبة والمنددة، والتي لم تؤثر في سعي روسيا لتحقيق أهدافها العسكرية، التي بدأت بغارات مكثفة، تبعها تحرك بري ثلاثي، من الجيش السوري والحرس الثورى وحزب الله، ما اعتبره عدد من خبراء في الشأن العسكري، مراوغة استراتيجية، يتجنب فيها الغرب المواجهة المباشرة مع روسيا، لكن الخبراء حذروا من أن تلك المراوغة قد تعرض الأمن القومي العربي لمخاطر عدة، خاصة وإن سعت الولايات المتحدة، إلى استنساخ التجربة الأفغانية فى سوريا، وتحويلها إلى مستنقع استنزاف عسكري للجيش الروسي، كما حدث من قبل.

الردع الاستراتيجي

كل المعطيات السابقة، تصب فى صالح إيران، بعد أن وجدت من التدخل الروسي، فرصة لبسط نفوذها على سوريا ولبنان والعراق، تمهيدًا للتمدد فى الداخل الخليجي، وهو الهدف الأسمي لطهران.
لكن السعودية، كانت على دراية كاملة بتلك المساعي، وتجهزت لها، بعد أن حققت القدرة فى امتلاك رادع استراتيجي قادر على كبح جماح المد الفارسي، آجلًا أو عاجلاً منذ سنوات مضت، والتصدي الحاسم لأي محاولات إيرانية داخل دول التعاون الخليجي.

الرادع الدفاعي

منذ 8 سنوات وقعت السعودية عقداً ضخماً مع شركة EADS لإقامة طوق أمني شامل حول كامل حدود المملكة. تبلغ القيمة الإجمالية للعقد مليارات الدولارات الأمريكية، وكان يعتبر هذا العقد تكميلاً لعقد سبقه بعام، كان يهدف لإقامة حاجز أمني على كامل الحدود الشمالية للبلاد، وهو البداية الاستراتيجية لمشروع الردع الإستراتيجي، الذى يبدأ بتأمين كامل الحدود، من أى هجوم محتمل، جواً أو براً أو بحراً.
وكما ذكرت وكالة نوفوستي، فى حينها، أن صحيفة كوميرسانت الموسكوفية نقلت عن تقرير سنوي أعدته إدارة شركة ألماز أنتاي (Almaz – Antey) إن الشركة (الماز-انتاي) وضعت خطة لإنشاء مركز صيانة لمنظومات الدفاع الجوي “س-400″ و”انتاي-2500” في بلد “الزبون 682” (أي المملكة العربية السعودية) وأحالتها إلى مؤسسة “روس أوبورون أكسبورت” (وكيل الدولة الروسية لتصدير الأسلحة إلى الخارج)، ما يعني أن الشركة قد وردت منظومات من طراز “س-400” إلى السعودية أو تستعد لتوريدها في أقرب وقت.

 

كما تبين من التقرير الذي أعدته “الماز-انتاي” أنها تتباحث مع السعوديين بشأن بيع منظومات من طراز “انتاي-2500” أيضا، علما بأن روسيا لم تورد منظومات “انتاي-2500” إلى أي بلد خارج الساحة السوفيتية سابقا حتى الآن.

الرادع الهجومي

يقول تقرير صادر عن معهد “ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي” (SIPRI)، إن الإنفاق العسكري السعودي أصبح الرابع على مستوى العالم، يرى المحللون العسكريون أن قوة الردع السعودي شهدت نمواً قلّ أن يشهد العالم مثيلاً له على مر التاريخ في غضون فترة وجيزة.
وذكر الموقع الإخباري الأمريكي جانيز (JANE’S) شراء السعودية 100 صاروخ صيني حصري للجيش الصيني من نوع df- 21 mode 3 والذي يبلغ وزن رأسه التفجيري 2 طن، وهو أعلى بكثير من صواريخ بعض الدول القوية. هذا بالإضافة إلى 63 صاروخ بالستي” بعيد المدى المسمى “رياح الشرق”، والذي يصل مداه الى 4000 كلم، ضعف المسافة بين الرياض وطهران، كما إنها قادره على حمل روؤس نووية يزن الواحد منها 64 طن يحميها اسطول مكون من 25 طائره “ترنيدو” البريطانيه المتفوقه.
ولا ننسي التفوق التكنولوجي التسليحي للمملكة، الذى تفوق على مثيله الإيراني الذى تأثر بحظر بيع الأسلحة وتكنولوجيا التسليح، منذ عام 1988، الأمر الذى حاولت طهران الإستعاضه عنه بالسوق السوداء الأسيوية والأوروبية الشرقية، والتطور الداخلي فى التطور التسليحي، لكن يبقي الإنفاق العسكري السعودي، عامل حسم قوي، فى الإرتقاء بالردع الإستراتيجي الذى تملكه السعودية وتطوره وتضيف عليه كل فترة وجيزة.

الموقف النووي

وزير خارجية المملكة عادل الجبير، عندما كان سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، صرح بأن “المملكة لا تستبعد بناء قنبلة نووية في الوقت القادم؛ للدفاع عن نفسها ضد إيران”، كان الجبير يؤكد على الموقف السعودي من الحصول على الرادع النووي، حال أصبح الحل الوحيد.
وقد سبق التصريح خطوات فعلية، مع توقيع المملكة وكوريا الجنوبية مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية.
تقول صحيفة “تشوسون إيلبو” الكورية الجنوبية بأن مذكرة التفاهم الموقعة تتضمن بناء مفاعلين نوويين على أراضي المملكة من طراز سمارت (SMART) بقيمة ملياري دولار.
وفيما تم الإعلان عام 2011 عن خطط لإنشاء ستة عشر مفاعلاً للطاقة النووية على مدى العشرين عاماً المقبلة بتكلفة تبلغ أكثر من 80 مليار دولار، اعتبرت مصادر غربية أن العلاقات بين السعودية وحليفتها باكستان هي في نظر المتابعين أبرز ما يشير لإمكانية حصول المملكة على أسلحة نووية من باكستان. وفي كل الأحوال يراه المنصفون حقاً مشروعاً في ظلّ سعي إيران لتملك السلاح النووي.

والحقيقة أن المملكة كانت وما زالت واضحة، حيث أن موقف الملك عبدالله -رحمه الله- كان واضحاً مع الأمريكان، عندما قال لهم “إذا ما حصلت إيران على قنبلة نووية فإن المملكة ستحذو حذوها، مهما كانت التزاماتها بموجب “معاهدة حظر الانتشار النووي”.
الأكيد أن المملكة العربية السعودية تدرك المخاطر التي تحيط بها، لذا لديها خططها الطموحة للمحافظة على تفوق عسكري، تفرضه المرحلة والتحولات في المنطقة. التي تؤكد يوماً بعد يوم أن اللغة الوحيدة التي يفهمها الجميع في هذا العصر هي لغة القوة.

الفزع الإيراني

فى نهاية عام 2011 شن المساعد الإعلامي لرئيس الأركان العامة بالقوات المسلحة الإيرانية، العميد مسعود جزائري هجومًا على السعودية، منتقدًا صفقات التسلح التي قال إنها تقوم بها، واضعاً إياها في سياق “حرب محتملة” ضد بلاده، زاعماً أن “تجهيز السعودية بأحدث العتاد والآلات الحربية يأتي في إطار الاستعداد لشن هجمات عسكرية ضد إيران”، ما يؤكد على دقة المعلومات العسكرية التي تمتلكها المملكة، عن قوة التسليح الإيراني، ومن ثم عقد صفقات تتناسب والتعامل مع تلك القدرات العسكرية، وهو ما يفسر الفزع الإيراني من الصفقات السعودية.

كما تطرق “جزائري” بصورة مباشرة إلى قرار الحكومة الألمانية القاضي بتسليم 200 دبابة من طراز “ليوبارد” إلى السعودية،بحسب ما نقلت وكالة “مهر” الإيرانية شبه الرسمية، معتبراً أن السيناريو المخبأ خلف صفقة الدبابات الألمانية إلى السعودية “يعزز التحليل القائل بأن السلطات في المملكة قامت بشراء هذه الدبابات “لاستخدامها فى حالة أن شهدت دول الجوار زعزعة أمنية، إستباقاً للنوايا الإيرانية، التي وضحت بعدها، فى التدخل بشئون البحرين واليمن ومن بعدهم سوريا والعراق، ما يعزز من صحة التوقعات السعودية، والتي على أثرها بدأت فى الحصول على أسلحة تتماشي وتغيرات الأوضاع الإقليمية، ولعل التعاطي السعودي مع الأوضاع فى اليمن، قد أظهر حقيقة أدراك المملكة لما تقوم به طهران فى المنطقة، وكذلك القدرة العسكرية التي تمد بها أذرعتها الميلشياتية، ومنهم جماعة الحوثيين.

مقتضيات المستقبل

لقد أدركت المملكة العربية السعودية، منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، أن خريطة التحالفات الإقليمية، قد تشهد إعادة ترسيم، يصبح معه صديق اليوم عدو المستقبل، لذا سعت إلى تنويع مصادر التسليح، والاعتماد الكُلي على كفاءة جيشها، وتعزيز قدراته التدريبة والتسليحية، ومع الوقت بدأت الرؤية الضبابية فى الوضوح، لتثبت صحة التوقعات، بعد التراجع الغربي الملحوظ من المنطقة، أمام الحلف الروسي، لتجد المملكة نفسها متحمله العبء الأكبر فى مواجهة المد الفارسي المدعوم من قوي إقليمية مؤيده له فى السر والعلن.

ولعل ثبات السعودية على موقفها من الأزمتين اليمنية والسورية، وعزفها منفردة خارج السرب، يؤكد أنها تمتلك أدواتها جيدًا، فى الحفاظ على أمن الخليج، بل إنها امتدت إلى ثبات المملكة المعلن على دعم المعارضة، التي تراجعت الولايات المتحدة عن دعمها، ما يشير إلى امتلاك المملكة رؤية مستقبلية، قادرة على أن تفرضها على الساحة الإقليمية.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.