السفير حمد العامر: رعد الشمال بعد الحزم عنوان مسار العلاقات الخليجية القادمة

السفير حمد العامر: رعد الشمال بعد الحزم عنوان مسار العلاقات الخليجية القادمة

شارك

إذا كانت (معركة القادسية) التي دارت بين العرب والفرس عام (636م) قد أنهت الامبراطورية الفارسية إلى غير رجعة، فإن (عاصفة الحزم ورعد الشمال) عناوين لتحركات عسكرية عربية إسلامية ضخمة وحاسمة تؤكد أن الأمة العربية والإسلامية عازمة على التصدي للعدوان والأطماع الإيرانية المهددة لاستقلالها وسيادتها الوطنية.

فالأمن الخليجي جزء لا يتجزأ من الأمن العربي والإسلامي، وقضية بالغة الحساسية والخطورة؛ بسبب الموقع الجغرافي الإستراتيجي لمنطقة الخليج، وما تتمتع به من مصادر طاقة طبيعية ضخمة تمثل شريان الحياة الرئيسي للعالم؛ لذلك تبرز أهمية ضمان الإمدادات النفطية للعالم في حرص القوى الصديقة والحليفة على تأسيس علاقات إستراتيجية مع دول المنطقة حسب الظروف السياسية والتطورات التي مرت بها عبر التاريخ.

فاستطاعت بريطانيا السيطرة على الخليج العربي، وفرضت عددا من اتفاقات الحماية التي أَقرت لها التصرف في الشؤون الداخلية والخارجية للإمارات الخليجية، ثم انسحبت من شرق السويس عام (1968) مما أعطى الضوء الأخضر للولايات المتحدة الأمريكية لتحل محلها كضامن لأمن هذه الإمارات التي كان عليها أن تتعامل مع أطماع القوتين الكبريين في الإقليم وهما: (إيران الشاهنشاهية) التي احتلت الجزر الإماراتية الثلاث مباشرة، و(العراق) الذي لم يتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج من خلال خلايا البعث المنتشرة فيها، ليكشر عن أنيابه ويحتل دولة الكويت عام (1990).

لقد قامت سياسة مجلس التعاون منذ تأسيسه على تحقيق الأمن والتنمية لمواطنيه وترسيخ مبادئ التعايش والتسامح ونبذ العنف والطائفية في المجتمعات الخليجية وترسيخ مبادئ حسن الجوار مع دول الجوار الإقليمي، والتطلع إلى المستقبل في إطار تبادل المصالح المشتركة وتطوير العلاقات بما يصب في صالح شعوب المنطقة ككل.

إلا أن المتغيرات التي مرت بمنطقة الخليج العربي، واختلاف قواعد اللعبة السياسية، والتغيير الإستراتيجي الأمريكي الجديد بعد تفجيرات (سبتمبر 2001) أوجدت فكرا أمريكيا جديدا تجاه أمن الخليج يقوم على الأسس الآتية:

1. تغير النظرة الأمريكية تجاه إيران من القطيعة والعداء المستحكم، إلى الحوار والتباحث معها بشأن المصالح المشتركة.

2. الاقتناع الأمريكي باستقرار (نظام ولاية الفقيه) وتزايد قوته التكنولوجية والعسكرية والنووية.

3. إسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي فتح الأبواب على مصراعيها لإيران لتحكم العراق وتبسط هيمنتها وسيطرتها على القرار السياسي فيه بمباركة أمريكية.

4. الانقسام العربي الحاد بعد حرب (1967) وتراجع القوة العربية، فتح للغرب وأمريكا المجال للتدخل في الشأن الداخلي العربي بلغ ذروته عام (2011) تحت غطاء حماية حقوق الإنسان وإقامة دول تعددية ديموقراطية جديدة.

وبما أن الشواهد التاريخية تؤكد بأن (القوة لا تواجه إلا بالقوة)، وأن الأمن الخليجي خط أحمر لا يمكن المساس به؛ فقد أدركت دول مجلس التعاون أن أمنها لا يمكن المساومة عليه، وأنه لا يمكن السماح لإيران أو غيرها بالسيطرة على الممرات المائية الدولية لعبور إمدادات النفط، لذلك فإن سياسة خليجية جديدة كان لا بد لها أن تظهر لحماية الخليج من تبعات التنسيق الأمريكي الإيراني بعد التوقيع على الاتفاق النووي في (يوليو 2015).

وهذا ما قامت به (عاصفة الحزم وإعادة الأمل) التي أنهت حالة التناقض في العلاقات الإقليمية بالمبادرة باستخدام مبدأ (الاشتباك) الذي يسمح باستخدام القوة لوقف التهديد المباشر الذي تتعرض له دول الخليج من الأيادي الإيرانية اللاعبة في الأراضي اليمنية، والذي تبعته عملية (الاشتباك السياسي) التي تمثلت في قيام السعودية بقطع علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع إيران بعد ردة الفعل الإيرانية المفتعلة بعد إعدام المواطن السعودي نمر النمر، ويبدو أن قواعد مبدأ الاشتباك ما زالت مستمرة بمناورات (رعد الشمال).

إلا أن السؤال هنا: هل ستنهي (قواعد الاشتباك) الصراع العربي الإيراني المزمن؟

وهل ستتمكن من وضع الحد الأدنى لأسس التعامل مع إيران؟

حقيقة إنه من الصعب تحقيق ذلك؛ لأنه يتطلب من إيران الالتزام الفعلي بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، وفض الخلافات بالطرق السلمية، ووقف دعمها لقوى التأزيم في دول الخليج، وقبولها بدء المفاوضات المباشرة مع الإمارات حول جزرها المحتلة أو إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، وذلك كله يزلزل أسس إستراتيجيتها التي رسمتها للسيطرة على الخليج منذ انطلاق ثورة الخميني.

نقلًا عن “عكاظ”

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.