خالد النعيمات: هل تستمر دول الخليج في مساعدة مصر؟!

خالد النعيمات: هل تستمر دول الخليج في مساعدة مصر؟!

شارك

بمعزل عن استمرار الدعم الخليجي لمصر الجديدة من عدمه، وبعيدًا عن التكتيكات السياسية في منطقة تقف على صفيح ساخن منذ سنوات طويلة، تبقى مصر عمقًا استراتيجيًا للبلدان العربية، وبالأخص الخليجية منها، ولا يمكن تركها وحدها في مواجهة أعبائها الاقتصادية الكبيرة.

 

تعالت مؤخرًا الأصوات التي تحدثت عن نزوع دول الخليج العربي؛ لتقليص دعمها المباشر لموازنة الدولة المصرية، وربما أن ما تقدمه هذه الأصوات من مبررات لهذا التوجه منطقية وواهية، مثل مرور الدول الخليجية بأزمة نتيجة للانخفاض الحاد في أسعار النفط، الذي يعتبر المصدر الأساسي للدخل فيها جميعًا، حيث تُشكل العوائد النفطية ما نسبته 90% من إيراداتها الكلية.

 

هذا علاوة على تسريبات من هناك وهناك عن تباين في وجهات النظر بين الجانبين، فيما يتعلق بالتعاطي مع الأزمة المستمرة في سوريا. ففي الوقت الذي تصر فيه الدول الخليجية بقيادة سعودية على أن الحل في سوريا يجب أن يقوم على قاعدة خروج الأسد من اللعبة بشكل تام، يرى البعض أن القيادة المصرية تسعى إلى فتح آفاق أخرى للحل، ربما تمنح الرئيس السوري المحاصر بصيص أمل في البقاء بالسلطة ولو لمرحله انتقالية.

 

على أية حال، هذه الأصوات التي ربما تلعب دورًا ليس ببريء، تتعمد في كثير من الأحيان وضع سيناريوهات قاتمة للعلاقة المصرية الخليجية، في الوقت الذي لا يمكن أن تستوي فيه مثل هذه السيناريوهات مع ما يحدث على أرض الواقع، فالدعم الخليجي لمصر استمر خلال عام 2015م وبمستويات مرتفعة. فقد التزمت الدول الخليجية بحزمة دعم لمصر منذ سبعة شهور فقط، وبمقدار 12,5 مليار دولار، هذا علاوة على استثمارات القطاع الخاص الخليجي والتي قدرت بعشرات المليارات من الدولارات، وجاء الإعلان عن هذه المساعدات والمشاريع الاستثمارية في مؤتمر “مصر المستقبل”، الذي عُقد في مدينة شرم الشيخ الساحلية، بمصر، منتصف مارس الماضي. ستسهم هذه الحزمة من المساعدات وبشكل حقيقي في دفع عجلة الاقتصاد المصري إلى الأمام.

 

بالطبع هذا الالتزام الخليجي لم يتغير خلال الشهور القليلة الماضية، لا بل إنه يبحث عن فرص للتطور، حيث تتحدث المعلومات عن توجه مزيد من الاستثمارات الخليجية نحو مصر، وبالأخص بعد نجاحها في استقطاب شركات عالمية عابرة للقارات للاستثمار في قطاعات اقتصادية مهمة؛ مثل دخول شركة سيمنز الألمانية في تنفيذ ثلاثة محطات للكهرباء في ثلاث سنوات ونصف. تبلغ كلفة هذه المحطات ستة مليارات يورو، تقدمها ألمانيا بالكامل.

 

كما أبرمت مصر خلال المؤتمر نفسه، عقودًا في قطاعات الطاقة والتشييد بعشرات مليارات الدولارات مع شركات عربية وأجنبية، إضافة إلى عدد كبير من الاتفاقات غير النهائية ومذكرات التفاهم.

 

إلى هذا، جاءت التقديرات لتتحدث عن نجاح مصر في استقطاب استثمارات كبيرة في ذلك المؤتمر، حيث بلغ حجم الاستثمارات التي تم توقيع عقودها بشكل نهائي نحو 36 مليار دولار، وحجم عقود مشروعات ممولة بنحو 18 مليار دولار، إضافة إلى 92 مليار دولار تم الاتفاق عليها في مذكرات التفاهم، ونحو 45 مليار دولار لتأسيس العاصمة الجديدة، والمخطط لها أن تكون على الطريق الفاصل بين القاهرة ومدينة السويس.

 

هذه الأرقام تعكس حجم الدعم الذي حظيت به مصر خلال العام الحالي فقط، وهو نفس العام- الذي بحسب البعض- يشكل عامًا ضاغطًا على دول الخليج، من حيث تدني أسعار النفط العالمية، وبالتالي انخفاض عوائدها النفطية بشكل كبير.

 

وسط كل هذا، تظهر أصوات بين الحين والآخر تحاول تحجيم دور الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، حيث تتبنى هذه الأصوات نظريات تتعلق بمرور الدول الخليجية بأزمة حقيقية نتيجة لانخفاض أسعار النفط. وهذا بالطبع تعميم وتسطيح للواقع، بحيث تبدو فيه الدول الخليجية وكأنها «دول كرتونية»، على الرغم من أن هذه الدول وبالأخص السعودية، أثبتت ومنذ زمن عمق اقتصادها وامتلاكها لرؤية استراتيجية بعيدة المدى، تمثلت في إصرار الأخيرة، باعتبارها أكبر أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، على عدم التدخل في السوق وتبني استراتيجية الحفاظ على أسواقها التقليدية، لا بل إنها مؤخراً بدأت بغزو بعض الأسواق الجديدة، مثل السوق البولندي، مما دفع وزير الطاقة الروسي «الكسندر نوفاك» للقول: «إن دخول المملكة العربية السعودية إلى أسواق النفط في شرق أوروبا التي كانت روسيا تهيمن عليها غالبًا يمثل أصعب منافسة». مضيفًا «أن مبعوثين من الوزارة سيتوجهون إلى فيينا لعقد اجتماع فني مع مسؤولين من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يوم 21 أكتوبر تشرين الأول».

 

هذا علاوة على أن أسعار النفط لن تبقى بمستوياتها الحالية للأبد، بحسب ما يقر به كافة خبراء النفط، حيث سجلت أسعار النفط هبوطاً حاداً تجاوز النصف منذ منتصف عام 2014م. وهذا الانخفاض مرتبط بتباطؤ في الأسواق العالمية التي من المتوقع أن ترتد نحو مزيد من الانتعاش في المدى القريب.

 

وبالرغم مما يمكن أن يقال في الموضوع السياسي المتعلق بتباين وجهات النظر المصرية الخليجية تجاه الأزمة السورية وآليات حلها، تبقى حقيقة أن دول الخليج لم ولن تتخلى عن مصر، وهذا واضحٌ في كثير من التصريحات من الجانبين. فحتى عندما كانت مصر بحاجة ماسة للمساعدة، لم تتعرض لمساومات من أي نوع من قبل الدول الخليجية مقابل مثل تلك المساعدات.

 

وهذا مؤشر كبير على عمق العلاقة بين الطرفين، اللذين بحسب معلومات من مصادر مقربة منهما يتبنيان مواقف متطابقة في الشأن السوري، كما أنهما يقفان معاً في خندق واحد في اليمن، رغم كل ما يُقال، ايضاً، عن فتور في المشاركة المصرية في التحالف الذي يسعى إلى إعادة الشرعية إلى اليمن.

 

الوقائع والتسريبات الحقيقية تعطي مؤشرات على صحة العلاقة بين الدول الخليجية ومصر الجديدة، ولكن سيبقى هنالك أصوات تدفع باتجاه التباعد بينهما، في محاولة للاستفادة من تأويلات وأمنيات لتحقيق مكاسب سياسية لأطراف إقليمية ودولية.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.