رهائن مفرج عنهم يروون مأساتهم على أيدي «داعش»

رهائن مفرج عنهم يروون مأساتهم على أيدي «داعش»

شارك

كان آخر ما خطر ببال “سعد خلف علي” عندما كتم محققو تنظيم “داعش” أنفاسه بكيس من البلاستيك، صور زوجتيه وأطفاله. ثم ساد الظلام كل شيء.

 

وأفاق “سعد”- رجل الشرطة السابق- مرة أخرى عندما ارتج جسده بفعل شحنة كهربائية سرت في أوصاله. وعاد إلى وعيه وجسمه كله مبلل بالماء وكان يشهق طلبا للهواء على أرضية سجن في شمال العراق.

 

و”سعد” واحد من كثير من العراقيين الذين عانوا على أيدي تنظيم “داعش” الذي يعذب ويعدم أو يقطع رؤوس من يعتبر أنه أتى فعلا من أفعال الفسق، أو خالف أفكاره وهدف إقامة دولة خلافة في العالم الإسلامي.

 

وتحمل “سعد” التعذيب، لكنه استسلم تحت وطأة الضغط النفسي، عندما هدده المتشدون بذبح أفراد أسرته جميعا.

 

واعترف بإبلاغ القوات الكردية والعراقية بمواقع تنظيم “داعش”، وهو فعل عقوبته في كثير من الأحيان قطع الرأس، أو الإعدام رميا بالرصاص من مسافة قريبة.

 

وقال سعد (32 عاما)- القادم من منطقة الحويجة- “اعترفت بكل شيء.”

 

وأحضروا سعد – وهو رجل ضئيل الحجم كبير الأذنين – معصوب العينين أمام قاض حكم عليه بالإعدام.

 

وكان من المفترض أن ينفذ الحكم في صباح يوم 22 أكتوبر تشرين الأول، لولا مهمة إنقاذ جريئة نفذتها في تلك الليلة قوات كردية وأمريكية خاصة. وتم تحرير سعد و68 سجينا آخر.

 

وأجرت “رويترز” مقابلات مع ثلاثة منهم في منشأة أمنية في اربيل عاصمة إقليم كردستان. وروى الثلاثة ما مروا به في ظل حكم “داعش”، وما صاحب ذلك من عذاب بدني ونفسي.

 

كان كثير من حراس السجن أعضاء سابقين في قوى الأمن العراقية الذين قاتلوا بعض هؤلاء المتشددين، قبل أن يجتاح مقاتلو التنظيم ثلث مساحة العراق.

 

ولم تستطع “رويترز” التحقق من صحة رواياتهم من مصدر مستقل.

 

وفي عملية الإنقاذ قتل جندي من القوات الأمريكية الخاصة وهو أول أمريكي يقتل في اشتباك بري في العراق منذ سحبت الولايات المتحدة قواتها عام 2011. كما أصيب أربعة أكراد في العملية.

 

الشاهدان

 

كانت الحجرة المحتجز بها أحمد محمود مصطفى (31 عاما) بلا نوافذ وكانت تسع بالكاد أحمد و38 نزيلا آخر عندما كانوا يتمددون ساعة النوم.

 

وكان المتوقع من السجناء أن يلزموا الهدوء ويؤدون الصلوات الخمس يوميا ويقرأون الدروس الإسلامية التي يزودهم بها آسروهم. أما الوجبات فتتألف من البطاطا (البطاطس) والعدس والطماطم (البندورة).

 

وبين الحين والحين كان أحد الرجال يردد بيتا شعريا يفيد التحسر على ما هو فيه بينما كانت دموع الآخرين تتساقط في صمت.

 

وتتابع كاميرات المراقبة المعلقة في أركان الحجرة حركاتهم وسكناتهم وكانوا في بعض الأحيان يرغمون على مشاهدة لقطات لعمليات قطع رؤوس على شاشة كبيرة.

 

وقال أحمد ومحمد أحمد الذي كان أيضا موجودا في الحجرة إن أحد الرجال حاول أن يتجنب رؤية مشهد غاية في البشاعة فتلقى ضربة على رأسه.

 

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحيق بالاثنين غضب تنظيم “داعش”. فقبل عدة أشهر تعرض محمد للجلد 50 جلدة لانتقاده المتشددين وتلقى تحذيرا أن لسانه سيقطع في المرة القادمة.

 

كما اعتقل أحمد أربع مرات من قبل بسبب خلاف شخصي بينه وبين شخص آخر تربطه صلات بالمتشددين.

 

وفي المرة الأخيرة واجه الرجلان تهمة أكثر خطورة هي التجسس. وكان لدى المحققين الذين يتولون استجوابهما وهم عراقيون ملفا لكل سجين يحتوي على تفاصيل ما ارتكبوه من جرائم وشهادة شاهدين تؤيد صحة الاتهامات.

 

وقتل أحد الرجلين اللذين شهدا على أحمد في غارة جوية مما أخر تنفيذ العقوبة. لكن سرعان ما عثر المتشددون على رجل آخر مستعد للشهادة عليه ولم يكن ذلك الشاهد سوى ابن عمه.

 

وما إن انتهى المحققون من عملهم حتى رفعوا الملف إلى أحد القضاة فأمر إما بالاعدام أو إجراء مزيد من الاستجواب.

 

وفي النهاية استسلم تحت التعذيب ووضع بصمته على قائمة اتهامات اعترافا بالذنب اعتقادا منه أن الإنكار سيطيل عذابه وأن موته محتم على أي حال.

 

وسأله المحققون ما إذا كان يفضل أن يقطع رأسه من الأمام أم من الخلف فرد قائلا إن الأمر متروك لهم.

 

الرغبات الأخيرة

 

في حجرة منفصلة استطاع سعد أن يسمع صوت آلات ثقيلة في الخارج وارتقى ظهر سجين آخر لكي يرى من خلال شق في الجدار ما يجري بالخارج فشاهد جرارا يحفر خندقا.

 

وفي اليوم التالي 21 أكتوبر تشرين الأول نقل أربعة من المسجونين من الحجرة وبعد لحظات سمع بقية السجناء وعددهم 26 فردا دوي أربع طلقات.

 

وقيل لسعد إن دوره سيحل في صباح اليوم التالي.

 

ولم يكن يملك ورقا أو قلما فاستخدم ظفره في كتابة رغباته الأخيرة على ورقة بها مواقيت الصلاة بينما كانت الساعات تنقضي ساعة بعد ساعة.

 

وكان مضمون الرسالة الموجهة لابن أخيه قصيرة فقد طلب منه فيها رعاية أسرته وحدد هوية الرجلين اللذين أبلغا عنه حتى يمكن الثأر لمقتله.

 

ثم صلى سعد صلاته الأخيرة ودموعه تنهمر دون أن يتمكن من السيطرة على نفسه ولم يقاطعه سوى صوت محركات طائرة هليكوبتر الساعة الثانية صباحا وكان ذلك إيذانا ببدء نهاية محنته.

 

وفي أعقاب اشتباك شديد حطم جندي من القوات الكردية الخاصة الباب ببندقيته من طراز إم16.

 

ويتذكر سعد أن الرجل صاح “هل أي منكم كردي؟ فقلنا لا نحن عرب.”

 

وأوضح أحد الرجال أنهم سجناء لدى “داعش” فرد المقاتل قائلا “لا تخافوا. جئنا نحرركم مع الأمريكيين.”

 

(رويترز)

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.