عبدالله بن تركي: نعم.. السعودية تسير في الاتجاه الصحيح

عبدالله بن تركي: نعم.. السعودية تسير في الاتجاه الصحيح

شارك

منذ وقت ليس ببعيد، لم أكن أتوقع أنه سوف تطول بي الحياة لأكتب مثل هذا المقال، فعندما كنت صبيا في المملكة العربية السعودية، في الستينات من القرن الماضي، كان متوسط الأعمار لا يتعدى الـ37 عام، بينما اليوم أصبح 75 عاما. وعندما ذهبت للدراسة في انجلترا، كنت واحدا من بين قلة قليلة من السعوديين الذين ذهبوا للتعلم خارج حدود المملكة، في حين أن الان يوجد حوالي مائتي ألف سعودي يدرسون في الخارج، وفي ذلك الوقت أيضا، كانت أخواتي لا يدركن سوى القليل من التعليم، في حين أن الان 55% من طلاب الجامعات في المملكة من الإناث.

ولكن بالنسبة لي، فإن التحول الذي تشهده المدن السعودية يبدو أمرا استثنائيا بصورة كبيرة، حيث أصبحت تلك المدن الصغيرة التي كانت تقبع في وسط مساحات شاسعة من الصحراء، أصبحت مملؤة بناطحات السحاب، تتصل بالطرق السريعة، والمطارات الحديثة، كما تتواجد بها كذلك الجامعات الدولية والمستشفيات الكبيرة ومراكز التسوق، حيث تعج بكل أشكال التجارة بداية من الشركات المبتدئة وحتى أكبر الشركات العالمية.

إلا أن الأمر لا يكمن في تلك الصورة، حيث أن قصة التغيير التي شهدها جيل واحد من السعوديين ما هي إلا مجرد بداية للتحول الكبير الذي هو قيد التنفيذ في المرحلة الراهنة، وهو الأمر الذي ينبغي أن ينتبه إليه العالم بأسره.

عندما وطأت قدمي الرئيس أوباما العاصمة السعودية الرياض هذا الأسبوع، قيل انه وصل إلى المملكة التي تتحرك بسرعة نحو المستقبل حيث لم يعد اقتصادها يعتمد على النفط، حيث كان النمو الكبير الذي يشهده القطاع غير النفطي في المملكة، والذي تجاوز معدل الـ5%، هو الدافع الرئيسي وراء مسار النمو التصاعدي للاقتصاد السعودي، كما أن عملية التنوع الاقتصادي في المملكة تغذيه العديد من القطاعات الهامة، من بينها التعدين، وتكنولوجيا المعلومات، والتكنولوجيا الأمنية والزراعة والصحة والسكك الحديدية، والمعدات والطاقة المتجددة.

وضعت المملكة العربية السعودية خطة جريئة وحاسمة لتحقيق النمو الشامل من استراتيجية تحمل عنوان رؤية 2020 حيث ترى المملكة العربية السعودية بأنه اقتصاد متنوع ومزدهر يضمن وجود فرص عمل مجزية ومستويات أعلى من الرفاهية الاقتصادية للمواطنين السعوديين، بالإضافة إلى توفير التعليم والرعاية الصحية للسكان وكذلك تزويد القوى العاملة بالمهارات الكافية.

من بين الركائز الأساسية لرؤية 2020 هو التركيز على التنوع الاقتصادي، وتنمية الموارد البشرية، بما في ذلك زيادة دور وعدد النساء في القوى العاملة، وخصخصة بعض القطاعات الاقتصادية مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل، بينما يصبح قطاع الصناعات التحويلية هو بمثابة محرك النمو الحيوي، حاضنا للتكنولوجيا الحديثة والابتكار، وهي الأمور التي تعد ضرورية للغاية لنجاح المملكة على المستوى الاقتصادي. والمملكة العربية السعودية لديها القوة المالية لتنفيذ وتسريع هذا التحول الاقتصادي، حيث لا توجد عليها الكثير من الديون، كما تمتلك احتياطي نقدي ضخم.

وتعد الخطة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار أحد أهم الأمثلة على الجهود التي تبذلها الحكومة السعودية لتحفيز الابتكار والتنويع، وهي المبادرة التي تكلفت حوالي 2.13 مليار دولار لدعم أكثر من ألفي مشروع في مجال البحث العلمي والتكنلوجيا، حيث تهدف الخطة في الأساس إلى تحويل البحوث السعودية إلى استثمارات تجارية، فعلى سبيل المثال أصبحت المملكة العربية السعودية أحد قادة العالم في تسخير الطاقة الشمسية لأنتاج المياه المحلاة وذلك باستخدام التكنلوجيا المتقدمة.

ولكن الاستثمار الاقتصادي وحده لا يكفي لضمان مستقبل مزدهر ومستقر، حيث تحتاج المملكة إلى البيئة المناسبة لتغذية روح المبادرة وكذلك للحفاظ بل وجذب المزيد من الاستثمارات على المستويين المحلي والعالمي، كما أنها تحتاج إلى مجتمع مدني نابض بالحياة يمكنه توفير فرص المشاركة في عملية صنع القرار لكل مواطن. كل هذه التغييرات التي تجري في المملكة العربية السعودية، ربما تجاوزت السرعة التي شهدتها أي دولة أخرى لتحقيق التنمية.

التغيير في المملكة يشمل تعزيز الشفافية في قوانيننا والمؤسسات الحكومية وكذلك إضفاء الطابع المؤسسي لمنظمات حقوق الإنسان، وإدخال انتخابات ديمقراطية في الحكومة البلدية وتوسيع الصلاحيات داخل مجلس الشورى، والذي يعد السلطة التشريعية لدينا، حيث أن 20% من الأعضاء هم الآن من النساء، وهو الأمر الذي يتعارض بصورة كبيرة مع الدعاوى التي تحاول إلصاق صفة التطرف بالمجتمع السعودي.

الأمر لا يقتصر بأي حال من الأحوال على التغيير الاقتصادي والاجتماعي ولكنه امتد ليشمل السياسة الخارجية للمملكة والتي تهدف في الأساس إلى توفير القيادة القوية، وكذلك اتخاذ الاجراءات اللازمة لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة بل والعالم بأسره. اتخذنا إجراءات في اليمن عندما حاول الميليشيات المدعومة من إيران وحزب الله للسيطرة على البلاد، بينما في سوريا، قدمنا الدعم العسكري والسياسي في محاولة لإنهاء الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من ثلاثمائة ألف شخص، بالإضافة  كذلك بالاهتمام بشئون اللاجئين.

أما بخصوص الحرب على داعش، فإن المملكة تقود تحالفا من 39 دولة يهدف في الأساس هزيمة هؤلاء الهمج سواء عسكريا أو فكريا أو ماليا، كما أننا نعمل مع بلدان أخرى في المنطقة، بما في ذلك العراق ومصر وليبيا والسودان، لتقديم الدعم الاقتصادي فضلا عن تقديم الدعم لمكافحة العناصر الإرهابية والمتطرفة داخل هذه البلدان.

ولذلك عندما نجد أن هناك مجموعات من الناس يحكمون بقسوة على المملكة العربية السعودية، فإنهم في الواقع لا يدركون أن السعودية لا يتعدى عمرها 84 عاما، تحولت خلالها من مملكة صحراوية إلى دولة حديثة ورائدة. نعم مازال لدينا الكثير لنفعله، ولكن يجب عليك أن تنظر إلى السعودية من منظور تجربتك الخاصة.

تأسست الولايات المتحدة في 1776، حيث استغرقت ما يقرب من 90 عاما حتى تم إلغاء الرق، بينما أكثر من 140 عاما حتى منحت النساء الحق في التصويت في حين أنها انتظرت حوالي 190 سنة قبل إرساء حقوق مدنية متساوية كان قانون البلاد، وهو ما يعني أن التقدم عملية تستغرق وقتا طويلا، وبالتالي فإن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو هل تتحرك المملكة العربية السعودية في الاتجاه الصحيح؟؟ الإجابة بكل وضوح نعم.

*سفير السعودية بواشنطن

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.