سلامة عطا الله: بروكسل وأنقرة.. فصل جديد!

سلامة عطا الله: بروكسل وأنقرة.. فصل جديد!

شارك

تستبق المستشارة الألمانية القمة الأخيرة حول الهجرة، بالقول: “علينا أن نعمق تعاوننا مع تركيا”، وكأن “ميركل” قد عجزت من دول غرب البلقان وعدد كبير من دول الاتحاد، فأرادت الاستنجاد بأنقرة، لتبطيء زحف اللاجئين.

 

وقبلها ترجيء المفوضية الأوروبية نشر تقريرها حول حرية التعبير واحترام القانون في الجمهورية، وقبلها، يزور “أوردغان” بروكسل، وخلال مؤتمره مع رئيس الاتحاد، وفي مقر الأخير، لم يتردد أوردغان، بالإشارة إلى أن زيارته للمجلس الأوروبي لم تكن هدفًا أساسيًا،  وإنما جاء بدعوة من الملك البلجيكي لحضور مناسبة مشتركة بين البلدين، ليتجاوز زعيم “العدالة والتنمية” أعراف ضيافية ودبلوماسية، زاد في انتهاكها، حرسه الشخصي، والذي وجه لكمة لرجل أمن بلجيكي، ومع ذلك لم ينتقد أحد هذا التصرف.

 

أوروبا تمد يدها لتركيا، والأخيرة تشترط أثمانًا للمصافحة، فَلِمَ..!!.

 

مذ تولت “موغريني” رئاسة الدبلوماسية الأوروبية، اعتمدت نهجًا يتسبعد المعايير القديمة في التعامل مع الشركاء، فلم تعد حقوق الإنسان مقياسًا وشرطًا، على قاعدة احترام خصوصية الآخرين، والنأي عن الإملاء والتقييم، مع الأولوية للمصالح المشتركة، كما لم يعد من حق الاتحاد، أن يتصرف كناصح، وبعض دوله، تتفاخر بانتهاكاتها، فتوصد الحدود، وتقيم الحدود على طالبي اللجوء.

 

برلين هي أشرس المدافعين عن بقاء التكتل الموحد، وبدونه لا مستقبل لامبراطورية الصناعة والسطوة الألمانية، ولطالما عارض الألمان دخول تركيا تحت مظلة الاتحاد، ليتراجعوا مؤخرا، فتعد “ميركل” بتفعيل ديناميكية المفاوضات بين الطرفين.

 

لقد أثبت الاتراك حضورهم الاقتصادي، وباتوا أفرادًا وجماعات، يشكلون أساسًا صلبًا في الاقتصاد الاوروبي، كجاليات تنجح في مشاريعها، ومنتجات تنافس نظيراتها الأوروبية، وسياح أوروبيون في الاتجاه الآخر، يعودون مادحين لبلاد الأناضول.

 

 

 

خمسة وثلاثون فصلا يشكلون قاعدة المفاوضات بين الجانبين، ومنذ 2005  لم تنجح المحاولات في إغلاق الملفات المفتوحة، لكن الزمن تغير، وأي أزمة مالية قادمة، ستسهم في تسريع الاندفاع نحو أحد الاتجاهين، إما التفكك، أو ضم تركيا، كقوة اقتصادية وبشرية، تتفوق  على دول كثيرة، انضمت للاتحاد ثم شكلت عبئًا لفسادها وترهلها وعجزها.

 

الأوروبيون وبطبعهم، يحترمون القوة، وحتى إن مكروا لتركيا، فإنهم يخشون من ضعف يؤدي لعدم استقرار، وساعتها، سيدفع الأوروبيون ثمنًا كبيرًا، فالحوادث والمعطيات، تؤكد ضعف الأوروبيين في صد أية تهديدات عابرة للحدود، ولذلك، لن يخاطروا في الإسهام بأية محاولات تستهدف تركيا.

 

أما مجتمعيًا، وما كان يقال عن استحالة انضمام دولة إسلامية للنادي المسيحي، فإن شرائح أوروبية واسعة، لا ترى في الثقافة التركية تهديدًا، فالأتراك موجودون، وليسوا متورطين في عنف أو إرهاب، فضلًا عن إسهاماتهم الاقتصادية الوفيرة والملموسة، كما أن مجرد تحرير التأشيرة والسماح بدخول الأتراك لدول الاتحاد، يعني اختراقًا وحرقًا لمراحل كثيرة، لا تزال تعيق الانضمام.

 

الشراكة بين الجانبين، في طريقها للعمق، فخارطة القوى تتغير، وأمريكا تنكفيء مع الزمن، ولن يستطيع الاتحاد أن يحافظ على وزنه دون الاستعانة بمقويات أخرى، وإن كان الانضمام مبكرًا، فإن أبواب التعاون ستتسع، سيما وأن النظام الحاكم في أنقرة، لم يعد يطمح بالسيادة في الدائرة العربية والإسلامية، بعدما صدته مصر والسعودية، فالصفقة قد تكون قدرًا بين بروكسل وأنقرة، وبقي الاتفاق على الأثمان.

 

أما تلك الأصوات المنددة بالسياسات التركية، فلا تزال ضعيفة، ومحصورة في تيارات صغيرة، لا تتجاوز أصواتها منابر الإعلام والبرلمانات، بعيدًا عن اتجاهات القوى وصناع القرار والشركات.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.