عبدالرحمن اللاحم: ضوابط الوزير

عبدالرحمن اللاحم: ضوابط الوزير

شارك

كان الجدل على أشده في الأسابيع الماضية حول الضوابط الشرعية لممارسة المرأة عملها في المجلس البلدي بعد أن نجحت في الوصول إلى مقاعده بأصوات الناخبين، وكان هذا يعني خسارة مدوية للتيار الديني المسيس الذي حاول طوال الأشهر الماضية اجهاض التجربة ومنعها من الترشح والإنتخاب من خلال اصدار الفتاوى والبيانات الجماعية والفردية إلا أنه مني بخسارة مدوية تضاف إلى خسائرة المتلاحقة، لكنه لم يستسلم فبعد أن خسر معركة الإنتخاب والترشيح وأصبح وجود المرأة في المجلس البلدي واقعًا مفروضًا انتقل إلى معركة أخرى، وهي (غزوة الضوابط الشرعية) والهدف فرض رؤيته الضيقة للشريعة التي يريد منها تكبيل عمل المرأة وفرض التمييز ضدها وخلق واقعًا مضادًا بأن تكون ضوابطه الشرعية قانونًا ملزمًا يمرر من خلاله المصطلحات التي ابتكرها وغرسها في المجتمع دون أن يكون لها أصل شرعي مثل مصطلح (الإختلاط) الذي جعلوه مبدأ شرعيًا قطعي الدلالة قطعي الثبوت حتى وصل الأمر بأحدهم بأن يفتي بكفر من لا يحرمه، وفي غفلة من الجميع وخلال ربع قرن من هيمنة تيار الصحوة على المجتمع استطاعوا أن يمرروه، وأن يقنعوا الناس به ليحولوا هذا الوطن إلى جزر منعزلة متباينة ما بين النساء والرجال بشكل جرفنا عن مواطن الفطر السليمة، وجعلنا حالة منفردة عن طبائع بني البشر.

لقد نجح هذا التيار في خديعة المسؤولين في وزارة الشؤون البلدية بأن رضخوا للضوابط الشرعية لذلك التيار المتأسلم، وأصدر الوزير اللائحة التنفيذية مثقلة بتلك الضوابط والتي ترسخ مبدأ التمييز ضد المرأة وتخالف نصوص الإتفاقيات الدولية الملزمة للدولة كإتفاقية السيداو والتي تعد أحكامها بمثابة القانون الداخلي ولا يغير من هذه الحقيقة كون السعودية تحفظت على ما يخالف الشريعة لأن الشريعة في هذا السياق تعني القواعد الشرعية قطعية الدلالة قطعية الثبوت والمعلومة من الدين بالضرورة لا تلك الفتاوى التي يصدرها رموز التيار الديني الحركي والتي لا تلزم أحدًا سواهم.

لقد أسست تلك اللائحة التنفيذية لمبدأ غريب على النصوص القانونية في السعودية حيث جاءت بضوابط لا توجد على حد علمي في أي وثيقة قانونية مشابهة، ولم تطبق اللائحة ذات المعايير والضوابط التي طبقها مجلس الشورى؛ حيث أن ضوابط الشورى طبقت وفق توجيهات الأمر الملكي الذي أمر بتعيين النساء في المجلس، وتطبيق تلك الضوابط طوال تلك الفترة دون ملاحظات من المقام الكريم، يعني أنها جاءت محققة للإرادة الملكية الكريمة بمعنى أن هذه هي الضوابط الشرعية التي يراها المقام الكريم، لذا رأينا قادة هذا البلد يجلسون تحت قبة الشورى ويجتمعون بأعضائه من الجنسين في قاعة واحدة دون أن تخدش الضوابط الشرعية؛ فمن أين إذا جاءت ضوابط وزير الشؤون البلدية، وكيف يتجاوز مبدأ قانونيًا مستقرًا بإقرار القيادة، ويخلق له قواعد تشريعية تخالف تلك المباديء ؟ هل يعقل أن يكون لدولة واحدة مبادىء قانونية متنافرة ؟

لا أحد يعلم من أين جاءت لائحة الوزير بتلك البدع التشريعية؛ إلا أننا نعلم جميعًا أن المتأسلمين نجحوا في اختراق حاجز القانون وأدغموا أفكارهم في أحكامه من خلال هذه اللائحة، وهذا كان هدفهم من أيام بيان المناصحة الشهير في التسعينيات، وفشلوا في جولات متعددة إلا أنهم أخيرًا نجحوا في أن يروا فتاويهم تطبق برسم القانون وبأدوات الدولة التنفيذية.

1 تعليق

  1. البعض يريد نجاح المرأة لا حبا فيها وتأييد لها وإنما فقط لكي يكد الفئة المتدينة .. لا نحب الأمور التي لا تكون لوجه الله وإنما ﻷغراض أخرى

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.