عبدالعزيز الخميس: غبار في طريق التحرر

عبدالعزيز الخميس: غبار في طريق التحرر

شارك

الضجة التي يعلو صوتها، والمعركة التي يثير غبارها الناس، حول تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متوقعة، بل ينتظر أن يزداد سعيرها، طالما أنها تُستخدم ضمن أدوات الصراع السياسي في البلاد.

تفاصيل المعركة واضحة، وهي لمواجهة طرف “متشدد متطرف” لطالما حظي بدعم مهم، وتم تسليمه أدوات ومؤسسات شرعية، فعبث بها وصاغ منها وسائل تدعيم لسيطرته وشرعيته ومشاركته في الحكم (كما صرح الكثير من أعضاء هذا التيار المتطرف).

والمعركة هي طبيعية في ظل تقدم المجتمع نحو أن يكون ناضجا، واعيا باستحقاقاته وحرياته المهدرة، في ظل الخشية من عصا المطوع، وهيبة اللحى المقدسة، والسلطات الرسمية والاجتماعية التي يتمتع بها أعضاء “الميليشيا الصحوية”.

منذ عقود ونحن نحذر من تبعات سيطرة هذه “الميليشيا” على التعليم، والدعوة، والقضاء، ومؤسسات كثيرة، أهمها المسجد، وأقواها المحكمة.

كلنا نراقب ردة فعل المتطرفين على قرار تقليص صلاحيات الهيئة، ونرى أن التشنج زادت وتيرته عند أعضاء المليشيا المتطرفة. لكن علينا أن ندير حوارًا مع هؤلاء قوامه هل الوطن أهم منا جميعا أو أنهم مصالحهم أهم.

كما علينا أن نسأل: هل نقبل بأن تمضي إرادة ثلة تقلص عددها يوما بعد الآخر، وتفرض على مجتمع كامل يسعى للعيش حرًا كريمًا في نظام عادل ترعاه مؤسسات متحضرة، أو أن يظل التطرف مسيطرًا على الساحة، وأن يعيش المجتمع منفصمًا، يعيش خائفًا من سوط “الميليشيا المتطرفة”، ويهرب إلى الخارج ليتنسم نسيم الحرية.

هل يقبل أن يقاسم الأجنبي حياة عائلته في ظل مليشيا ترى أن الاختلاط حرام، لكنها تقبل بل وتصر بممارساتها على مشاركة الأجنبي حياة السعوديات اليومية عبر سلطته “المواصلاتية” عليها.

إنها لحظة فارقة في سماء الوطن، إما أن يخرج السعوديون إلى الهواء الطلق والحياة الكريمة دون فصام وانفصام واضطراب اجتماعي، أو أن يكبر الاحتقان الاجتماعي وتسود لغة التشنج وتضيع الطاقات في صراعات متخلفة مع طواحين الهواء الصحوية.

عانى كثير من المواطنين والمقيمين من ممارسات بعض منسوبي الهيئات الذين حولوها- بعد سيطرة التيار الإخواني السروري عليها- إلى مؤسسة تمارس الإرهاب على مخالفي المذهب السروري، وما قصة الزميل علي العلياني إلا دليل على الاستخدام المتعسف لهذه المؤسسة من قبل رموز الصحويين للانتقام من غيرهم.

والمثير للسخرية أن هذا التيار الإسلاموي ينكر على السعوديين العيش ضمن قوانين منفتحة تنظم علاقاته وتحمي حرياتها الاجتماعية، بينما هو يطبل ليل نهار لعلمانية أردوغان، وإسلاموية الدوحة. حينما تسأله عن قيادة المرأة للسيارة وعملها في مجالات متعددة ينكر عليك الحديث عن الاختلاط، بينما هو يمتدح أنظمة تمكن نساءها من الاختلاط وفعل ما لا تفكر المرأة السعودية في فعله.

الأمر واضح للعيان هناك تيار إسلاموي صحوي يقوده رموز الإخوان، يريد للسعودية أن تبقى أسيرة الجمود، ويعتقد أنه الفارس المقبل لانتشالها، وأن أي تغييرات طموحة نهضوية ليست حقا لغيره بل هي له، لذا عليه العمل لتجميد أي مشاريع تطور ونهوض حتى يأتي دوره السماوي المنقذ.

والذي يغضب السعوديين هو أن تظل القوانين والأنظمة تحت رحمة هؤلاء وتطرفهم، ولعل قانون التحرش دليل على مدى الاستغلال السياسي لعذابات السعوديات، وإخفاق المجتمع في التخلص من “الظلاميين”، وفتح النوافذ أمام شمس الحياة الطبيعية.

أن تعيش حرا هو مطلب كل مواطن سعودي، والذي لديه من الولاء لحكومته الكثير، لكنه يعلم أن إطلاق روح الإنتاج والإبداع في أي مجتمع لا بد له من الحريات، فالحريات الاجتماعية والاقتصادية تأتي كجسور مهمة لعبور أي مجتمع، ولم يطالب السعودي بالمشاركة في الحكم، وتطبيق الآليات الديمقراطية لأسباب عدة، أهمها، خوفه من البديل وانشغاله في المبادئ، بل إن تجارب غيره في المنطقة تدعه يركز على نيل حقوق بسيطة في ظل نظام سياسي مقبول، ولكن في ظل استمرار القمع المتطرف للحريات الاجتماعية من قبل ميليشيات التطرف والإرهاب فإن المستقبل مليء بغيوم كثيرة، وما توجه بعض الشباب لتنظيمات متطرفة ما هو إلا انعكاس لثقافة متشددة قامعة، تجعل من حور العين هدفا لبسطاء أغرار، يعتقدون أن الخلاص في الذهاب سريعا للسماء.

يجب أن تقر تنظيمات وتشريعات تمكن المجتمع السعودي من العيش بحرية، أولها قانون التحرش، وثانيها السماح بالعمل على قدم المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات، وثالثها السماح للسعوديات بقيادة السيارة.

قد يقول بعضهم: وهل هذه منتهى طموحات مجتمعنا؟ نقول: دون مجتمع سوي يحترم نصفه الآخر، لا يمكن النظر للأعلى، دون أن تسود الكرامة والحقوق في المجتمع، لا يمكن منافسة الآخرين، والأدهى أن ذلك يأتي في ظل مجتمع دولي سيلفظ من يقف ضد أبسط مبادئ حقوق الإنسان.

1 تعليق

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.