عبدالعزيز الخميس: يا لهذه الحرية!

عبدالعزيز الخميس: يا لهذه الحرية!

شارك

تمثل حرية التعبير حقًا إنسانيًا عظيمًا، يجب أن يُصان ويُحترم ويُحمى من قبل السلطات الثلاث.

لكن ماذا عن السلطة الرابعة؛ وهي الصحافة، وبمعنى أدق في هذا الوقت الإعلام بجميع أنواعه؛ التقليدي والجديد.

ما يحدث حاليا هو انتهاك صارخ لحرية التعبير، إما بتكميمها، أو بتركها على عواهنها، تمضي في طريق الفتنة والتحريض والأجندات الشخصية أو الحزبية الضيقة.

لنأخذ مثلًا إعلام الإخوان والصحويين.

يتباكى هؤلاء على عدم امتلاكهم منصات إعلامية، بينما الحقيقة أن هذا كذب بواح، وبهتان عظيم، فهم يمتلكون أكثر وسائل الإعلام. انظر للأقمار الصناعية لتجدها تعج بقنواتهم، انظر للمواقع الإلكترونية فستجدها كثيرة تخرج من الجحور كالنمل، وتمول من ممولي الفتنة بكل سخاء.

ما يهمنا هنا هو هذا الغثاء الذي يطرح حاليًا حول شخصيات خدمت وطنها بكل محبة، وتركت وراءها مجدا لن تمحيه السنون، ولن تنساه القلوب المخلصة، هل يعد من حرية التعبير الإساءة لهذه الشخصيات، لا لشيء إلا لتصفية حسابات كريهة، واتساقا مع أجندات الإخوان وبتحريض منهم؟

هل من حرية التعبير وصف مرحلة عظيمة في تاريخ بلادنا بأنها كاحلة؟، مرحلة تمت فيها إنجازات كبيرة بنيت فيها مؤسسات لخدمة المواطن وارتفع دخل البلاد بفضل الله، ثم بفضل سياسة الراحل الملك عبد الله الذي لطالما وقف مع المواطن البسيط وحقوقه.

مرحلة تم فيها وضع الإنسان وحقوقه ضمن مؤسسات البلاد، مهما اختلفنا حول نشاط هذه المؤسسسات إلا أنه تم تشريعها ووضعها مقياسًا خدميًا للمواطن. مرحلة ارتفع فيها دخل الوطن وتمتع باحتياطيات ضخمة.

لست هنا بصدد سرد القائمة الطويلة من ما قدمه الراحل لشعبه ووطنه، لكنني هنا أضع علامة استفهام كبيرة حول إساءة استخدام حرية التعبير.

يطالبنا الإخوان والصحويين كل يوم بقبول حقهم في حرية التعبير، فنوافق وبسرعة، لأن هذا حقٌ بسيطٌ، لكن بعد تجربة طويلة فهمنا عبرها كيف يفهم الإخوان والصحويين معنى حرية التعبير، وصلنا إلى نتيجة أن الحرية عندهم هي حريتهم في التعبير عن كرههم للآخرين. وحريتهم في الإساءة والقذف والسب والشتم، حريتهم في تكفير وإخراج غيرهم من الملة. أي حريته في أن يعطل حريتك!

يبكي الإخواني والصحوي من آداة التكميم القاسية، بينما لا نعرف سببًا لهذا البكاء، فصوته موجود في “تويتر”، و”فيسبوك”، وفي الصحف، والقنوات الفضائية، بل وعبر التليفزيون والإذاعة السعوديين.

لعل أفضل مثالٍ للإخواني البَّكاء هو صاحب كربلائيات أسرته، والذي بكى حتى سمعت بطاريق شمال الكرة الأرضية وجنوبها نواحه حول مقتل أخيه، الذي عوقب على جريمته، وحسب الشريعة التي هو ينادي بتطبيقها، ويتهم نظامه بعدم تطبيقها، بينما يشيد بتطبيق أردوغان للشريعة، رغم أن الجميع يعرف ما هي الشريعة المطبقة في بلاد أردوغان.

عينات كثيرة ينطبق عليها قول فرناندو فانديريم “ليس هناك أحرار تمامًا، لأن هناك عبيدًا لحريتهم”، هؤلاء عبيد لحقدهم وبغضهم الآخرين، هؤلاء حريتهم تبدأ حيث تبدأ حرية الآخرين في مخالفة واضحة لقول فولتير. كيف لهؤلاء معرفة معنى الحرية وهم يشتعلون في وسائل التواصل الاجتماعي ضد غيرهم لا لشيء إلا لأن الآخرين يمارسون حرية تعبيرهم فقط.

هناك إخواني آخر مارس حريته في خلع قميصه، ورفع ثوبه عن صدره، وهو يعتبر غيره بأنهم صهاينة لا لشيء إلا لأنهم لم يصطفوا ضمن تنظيم الإخوان وإعلامهم، ومارس كل أنواع الشتم والقذف في حق النساء والرجال، ولم يبق ولم يذر سوى أتباع المرشد، بينما ينقلب هذا الضاج بالصهاينة في بلده إلى وديع أمام من يقيم علاقات مباشرة مع الصهاينة، وتعامل معهم بشكل سافر. لم يطبق خادم المرشد الأكاديمي مقياسًا سليمًا وواقعيًا ومنطقيًا في الصهينة؛ لسبب بسيط، أن من ينحني أمامهم هم من يدعمون حزبه، و”اطعم الفم تستحي العين”.

هل يمكن لهؤلاء وهم يتباهون بممارستهم الحرية أن يعلموا أنهم غير أحرار، وأن قيود الأيدولوجيا تكبلهم، ويجرونها معهم أينما رحلوا؟

هم ليسوا بأحرار، بل ثلة من خدم المرشد يتباهون بحريات مزعومة. قد تكون فقط حرية شتم الآخرين والاعتداء عليهم بالسب والكذب والتزوير.

هل يتمكن هؤلاء من الاستقلال عن الأيدولوجيا؟ هل يمارسون الحرية في التفكير، دون أن تقع عقولهم ضمن أغلال المرشد، وزعيم الخلية، وأمير الجماعة؟

انظر لانسياقهم في حملات موجهة ضد من يريدون النيل منه- ولنا في التاريخ عبرة- انظر لذلك القابع على جبل في الجنوب، كيف قاد حملة سيئة ضد الراحل غازي القصيبي، وبعد كل مسلسل التهم الرخيصة، رحل القصيبي وشعبنا يذكره بكل خير، بينما هذا الشخص محط الشكوك، ولا يعدو عن كونه خادما للمرشد، يخشى من التحرك خوفًا من حكم قضائي ضده؛ بسبب غسيله الأموال ودعم الإرهاب.

عن أى حرية يتحدثون؟ ما هو وصفها؟ لا نرى إلا أنها حرية أن تكون خادمًا للمرشد، حرية أن تشتم، حرية أن تنظم حملات التشويه، حرية أن تؤجج الفتن وتحرض على أمن وطنك!

يا لهذه الحرية المسكينة، كم من الجرائم ترتكب باسمك!!

ينسى هؤلاء تعريف “مونتسكيو” للحرية، أنها حرية أن تفعل ما يبيحه لك القانون. وهؤلاء يفهمون الحرية في أن تعتدي على القانون والنظام، وتفعل بهما العجب العجاب.

كنا ندخل في حوارات مع الإخوان والصحويين، وما أن نجتاز عتبات الأسئلة البسيطة، وندخل في عمق المواضيع حتى نرى الهروب والفرار، ونستغرب وكأن الذي أمامنا ينتظر أجوبة كالوصف الهندي عن الذي دائمًا ما يحتاج لموافقة مختار القرية كلما احتاج إلى الشرب من النهر.

لا يمكن للإخواني والصحوي أن يشرب من ماء نهر الحرية دون موافقة أمير جماعته ومرجعه، لا يستطيع التتنفس بحرية دون أن ينظر بذلة لسيده. والمضحك أنه يأتي ليعلمنا ما هي الحرية!

كذب الإخوان والصحويين أصبح واضحًا. فتنتهم بادية للعلن. رغبتهم في تقويض النظام عبر تأجيج الشعب، واستغلال الأزمات معلومة؛ لذا ما هي الخطوة التالية؟ هل نكتفي بتجريم مؤسسات الشر دون أن نقضي على الشر؟

لا حرية لأعداء الحرية. الحرية شيء جميل وشفاف، ولا يمكن القبول باستغلاله من الظلاميين، أن تمنحهم حرية القضاء على تمتعك بالحريات، وإنشاء نظام ظلامي يقضي على كل أمل في تقدم وتطور البلاد.

لا يعني هذا استعداء منا عليهم، لكنه يعني شيئًا بسيطًا وواضحًا: طبقوا النظام، وحدثوا آلياته، واجعلوا القضاء خالصًا من الظلاميين، وأن يكون منارة عدل وخير للأمة.

يجب أن تشاع روح التسامح والقبول بالحريات ضمن ضوابط وطنية، يجب أن تطبق مسطرة وطنية شفافة ومعلومة، وأن يندمج الجميع من مختلف المشارب والتوجهات السياسية؛ لبناء وطن عزيز ومنيع.

لا مشكلة في أن يتمتع الإخواني بحريته، لكن عليه أن يتمتع بها ضمن أجندة وطنية، لا حزبية، لكن لنتوقف هنا، فالسؤال: هل يمكنك أن تثق في وطنية من يبايع مرشدًا خارج وطنه على التبعية والولاء؟ كيف يمكنك أن تمنح الحرية لمن يرفض الولاء للوطن ولا لولي أمره؟!

هل يتوقع الإخواني أن النظام غافل عن أجندته؟ منذ أن يأتي حاكم جديد يبدأ الإخواني بالتطبيل له؛ طمعًا في مساحة حركة أوسع؛ حتى يحفر فيها حول أساسات النظام؛ استعداد للإطاحة به، كما فعل في أماكن كثيرة.

يتوجب علينا التنبه لهم والاحتياط، ولا يعني ذلك مغازلتهم والخشية منهم، بل مواجهتهم بشجاعة، فنحن هنا ندافع عن مصير بلاد، وليس مصير نظام. لقد دفعنا كثيرًا ثمن المهادنة، والألعاب السياسية المحيرة، وحان الوقت لحزم يوقف المتعدي عى أسس وثوابت الوطن.. ثوابت أن نتمتع بحريتنا كمواطنين، دون أن نُخضع هذه الثوابت لأيدولوجيات ضيقة الأفق، وقراءات ظلامية، بل مستنيرة، تدعم وجود مجتمع آمن، ونظام عادل.

قيل سابقًا: “الحرية والمسؤولية توءم، لو انفصل أحدهما عن الآخر ماتا معًا”.

يجب أن يفهم كل منا أن الحرية ليست في أننا نفعل ما نريد، بل في أن لا نفعل ما لا يتوجب علينا فعله. والقذف والسب والشتم وحملات التشويه هي ضمن باب حرية أن نفعل ما لا يتوجب علينا فعله.

 

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.