عبدالله الجنيد: انهيار الأوبامية المهادنة    

عبدالله الجنيد: انهيار الأوبامية المهادنة    

شارك

المهادنة Appeasement تعني “سياسة تفادي المواجهة” ويعتبر نفيل تشمبرلن، رئيس وزراء بريطانيا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، أشهر أمثلتها بعد ما قال في خطابة للأمة عبر أثير “بي بي سي” في 27 من سبتمبر 1938، إثر لقائة بهتلر في ميونخ:

How horrible, fantastic, incredible it is that we should be digging trenches and trying on gas masks here because of a quarrel in a far-away country between people of whom we know nothing

” كم هوقاسي، ومذهل، وغير مقبول أن يفرض علينا حفر الخنادق وتجربة الاقنعة الواقية من الغاز هنا بسبب نزاع بين شعوب لا نعرفها في اصقاع بعيدة”.

ألمانيا النازية اجتاحت بعد ذلك التشيك بسبب رفضها الإذعان والتنازل عن سيادتها على أجزاء من أراضيها الحدودية، و”القاسي” في الأمر أن ذلك الاجتياح وقع  قبل أن يجف حبر الوثيقة التي تعهد فيها هتلر لتشمبرلن بعدم غزوالتشيك.

ذلك التراخي الأوروبي في تحدي الإرادة النازية أشعل أتون الحرب العالمية الثانية في كل زوايا الكرة الأرضيّة، بل البلاد القريبة والبعيدة إلى حين توقيع وثيقة استسلام اليابان في خليج طوكيو في 2 سبتمبر 1945، على متن البارجة ميسوري، بعد استخدام الولايات المتحدة باكورة إنتاجها من السلاح الذري باستهدافها لمدينتي هيروشيما ونجازاكي.

جلسات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة مثلت خشبة المسرح لآخر فصول “استراتيجية المهادنة” الأوبامية عندما افترض أن بمقدوره توظيف المكان في الضغط على بوتين لتحقيق تراجع نسبي قد يقود لانفراجة في الموقف الروسي من الملف السوري المتداخل.

إلا أن الرئيس بوتين نجح في تحويل الحدث والمكان لميدان قياس الإرادات، بما فيها توظيف سلاح الجو الروسي في قصف المناطق المحررة من قوات نظام بشار الأسد، رافعًا بذلك سقف التكلفة المدنية الإنسانية والسياسية.

فسوريا لم تعد ميدان صراع إقليمي، بل مواجهة ساخنة بين إمبراطوريات الشرق (الصين وروسيا) الطموحة عبر ذراعها الإيرانية في مواجهة الإمبرطورية الأمريكية المرتبكة تحت قيادة الرئيس أوباما.

حتى إن بوتين لم يتوقف عند ذلك، بل أقدم على تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم إيران والعراق لمواجهة “داعش” في سوريا والعراق، في تحدٍ غير مسبوق في تاريخ التزاحم على النفوذ بين البلدين منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، مما فاقم من حالة عدم الاستقرار القائمة في الشرق الأوسط  نتيجة تلك المهادنة الأوبامية سياسيًا، حتى باتت حالة عدم الاستقرار السياسي السمة المشتركة بين كل قارات العالم القديم.

ما لم يفاجئ المراقبون في مسرحية جر الحبل على اللحم السوري من قبل الروس والأمريكان، هو تبني الوزير كيري لمصطلح “وثيقة جنيف”، كما سوق لها سابقًا في موسكومن قبل أحد الأطراف العربية، إلا أن الموقف السعودي كان واضحًا في التأكيد على ضرورة الحل السياسي، حسبما حددته جنيف واحد فقط، وأن لا مكان في العملية الانتقالية لبشار أو ممن تلطخت يده بالدم السوري.

 وهذا ما عاد  للتأكيد عليه في أكثر من مرة حول الخيارات الممكنة، وعندما سُئل، من قبل أحد الصحفيين: “كيف سيكون ذلك معالي الوزير”، أجاب: “بتشوف”، ونحن الآن نرى ذلك جليًا سياسيًا وميدانيًا، وليس في سوريا فقط.

 آخر السطر

زيارة أردوغان للرياض يجب أن تقرأ كطلب تركي، وما كان للرياض أن تتأخر في الرد، لما لتركيا من دور مطلوب في كل الملفات الشرق أوسطية، والرئيس أردوغان أدرك متأخراً أن تركيا لم تعد الممسك بكل مسالك المناورة سياسيًا، كما افترضت تركيا، بما فيها المسار الكردي.

 تركيا ليست سنية أو لا، أو لا إسلامية أو لا، أو حاملة لواء الإخوان أو لا، بل دولة كبرى وجارة لها مكانتها الخاصة، ويجب أن يكون لها دورها الذي يتناسب وكل ذلك، لكن شرط أن تتقبل تركيا تمامًا أنها لن تمثل الإرادة السياسية العربية، وأن الرياض هي بيت القرار العربي.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.