عساف المسعود: أسئلة ما بين روسيا وتركيا    

عساف المسعود: أسئلة ما بين روسيا وتركيا    

شارك

يبدو أن الأسئلة في الشرق الأوسط لازالت تتراكم !! ولم يوجد بعد من يمتلك الإجابات الصحيحة ليحصل على العلامة الكاملة بشهادة التاريخ.  فالمعادلات الشرق أوسطية قديمة، ومستبدة، وذات معطيات متغيرة تضع رجال السياسة كل يوم في تحدي جديد لمحاولة حلها والتعاطي معها. وها نحن اليوم مع متغير جديد يفرض نظرة جديدة في التعامل مع المعادلة السورية، وذلك بعد أن قامت تركيا بإسقاط طائرة طراز سوخوي 24 تابعة للجيش الروسي، والسؤال هنا، هل يؤثر هذا المعطى على انفراج وحل القضية السورية؟ الإجابة: للأسف، نعم.

حيث يكاد يجمع العالم أن التباطؤ الدولي من البعض، والتخاذل من البعض الأخر في حل القضية السورية ينتج مزيد من الإرهاب، والإشكالات الدولية، بل توسع دائرة الصراع، فالتدخل الإيراني وأذرعه الطائفية في الأراضي السورية كان بداية توسع الصراع، من ثم بروز وسيطرة المنظمة الإرهابية (داعش) على جزء من الأراضي السورية، وها نحن في الأشهر الماضية نشهد التدخل الروسي في شكله المتعنت المتعالي على جميع الأطراف الساعية لتحقيق السلام وعلى منجزات الفترة الماضية، وإن كانت متواضعة إلا أنها حالمة ومتطلعه لسوريا حرة، ومستقرة.

إن إسقاط هذه الطائرة يفرض -سؤال آخر-هو إلى أين تتجه روسيا في المنطقة؟ وللأجابة على هذا السؤال يجب أن ندرك أن روسيا (بوتين) لا تشارك العالم الغربي أو العربي أي قيم مشتركة، فروسيا إلى اليوم لم تنبذ فكرة القوة العظمى المستندة على القوة العسكرية التي لا تتماشى مع النظم الغربية ذات القيم الليبرالية، ولا العربية المتطلعة لهذه القيم، ومع وجود هذا المعطى الثابت، ووصول صواريخ الدفاع الجوي طراز “إس 400” إلى القاعدة العسكرية “حميميم” في سوريا، نستطيع أن نستشف أن روسيا ليست مستعدة بعد إلى أن تندمج مع وجهة النظر الدولية المتمثلة في بيان جنيف الأول، والثاني. مما يعني أن التصعيد الروسي العسكري مستمر وناتج عن ردود أفعال غير متزنة.

إن استمرار التدخل الروسي بهذا الشكل يفرض على القارئ السياسي بحث عدد من السيناريوهات وأولها، ماذا لو استمر التصعيد العسكري الروسي؟ وهل سيقابله تزويد المعارضة بمضادات طيران وأسلحة من الجانب الخليجي والأمريكي، كما حصل في أفغانستان ثمانينات القرن الماضي؟ وهذا باعتقاد المنطقة هو من أسوء ما قد يحصل فروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي بالأمس، وسوريا ليست أفغانستان، لكن ماذا لو لم يقابل هذا التصعيد العسكري الروسي أية ردة فعل دولية وأقليمية؟ هنا يعتقد القارئ السياسي أن روسيا وإيران قد تحقق أهدافها في سوريا، فإلى أي مدى يستطيع المقاوم السوري الاستمرار في وجه المعدات الروسية، والجندي الإيراني، والمرتزق الطائفي وهمجية داعش، بل أن تحقيق روسيا لأهدافها في سوريا يعني تحقق أهداف شريكها الإيراني في المنطقة، وهذا له انعكاسات أخرى تضر بالأمن الإقليمي والقومي لدول الخليج.

لكن ماذا عن تركيا؟ هل من الممكن أن تدخل في مواجهه مباشرة مع روسيا بعد إسقاطها للطائرة الروسية؟ الإجابة: لا وذلك لمعرفة تركيا بل ودول الحلف الأطلسي التي هي من ضمنها أن المواجهة المباشرة قد تكلف العالم الشيء الكثير، وهذا أيضا مالا تسعى إليه روسيا وتتحاشاه برغم من العقلية الهجومية والعسكرية لدى الروس، وهناك من يذهب إلى أن حروب الوكالات قد تتسع في سوريا فتركيا تساعد المعارضة بشكل غير معلن بوكالة من الحلف الأطلسي، وروسيا قد تدعم المعارضة الكردية على حدود تركيا، لكن ما هو الناتج من حروب الوكالة !! إذ لم يوازيها ضغط دولي على روسيا !!  الناتج فقط هو زيادة بؤس الشعب السوري، وارتفاع عدد القتلى، وكارثة إنسانية كبرى.

إن تحقيق مكاسب ذات عائد فعلي من خلال حلول وسطى تتقارب فيه الأطراف بدون المساس بالمطالب الأساسية للشعب السوري، قد يكون هو ما تعمل عليه الان السعودية، وامريكا، وأوروبا، في مواجهة هذا التمرد الروسي على المعاهدات والأخلاق الدولية، لذا أن أية محاولة الان لتصعيد الازمة التركية والروسية، وإعطاءها طابع أكثر مما تتحمله هو عدم إدراك سياسي، وعسكري.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.