عساف المسعود: (المهلهلون الجدد) وبنو باريس

عساف المسعود: (المهلهلون الجدد) وبنو باريس

شارك

كم هو الأمس (الماضي) يشابه اليوم (الحاضر) في حياة بعض العرب اليوم، وكأنهم ودوا أن تعود أيامهم لتلك الحروب مع الفرنجة في معركة (بلاط الشهداء)؛ ليثأروا لوالي الاندلس عبد الرحمن الغافقي، وأن يفتحوا فرنسا فتحاً مبينا. لكن للأسف صدمت الواقع وبأنهم لم يُعدوا لهم القوة ليرهبوهم كانت محبطة، لكن كلها أيام ويستيقظ هؤلاء على خبر تفجيرات باريس وكأن جزءاً من أحلامهم يتحقق أمامهم، فذهب يُصير هؤلاء الكلمات والحشود التابعة لهم للفرح والتشفي بالقتلى، لكن بعد أن تم تغليف هذا التشفي بقراطيس شفافة من الإنسانية.

 

إن مفهوم ومطلب الثأر في التاريخ العربي يمتد في عقول هؤلاء المتأريخون (=الماضويون) بدءاً من  أقدم نقطه في تاريخ الثأر العربي، بالأخص عند الزير سالم (المهلهل) الذي طال ثأره لأربعين عام من القتل، والحقد في ملحمة تاريخية تناقلها العرب الى اليوم، فأصبح هذا التاريخ أو التأريخ جزءاً من بنية (المهلهلون الجدد) الذين يتشوقون اليوم لثأر يخلصهم من عار الاستعمار  بعد سقوط الدولة العثمانية، ومعاهدة سايكس بيكو.

 

وأنا هنا لست في صدد التحليل العلمي لظاهرة الثأر في المجتمعات العربية وأثرها على الواقع، لكن من المؤكد أن هذه الظاهرة  لا زالت تمارس في  عقول البعض بالأخص المجتمع الثقافي العربي، فهناك أغلبية جيدة  من المثقفين والأكاديميين العرب التي لا زالت تمارس خطاب الثأر التاريخي في خطاب غير واضح، وعدم الوضوح هنا لا يعني العمل السري أو الخطاب المبطن، إنما هو خطاب ناتج  عن عدم التناسق  في منظومة الأفكار حيال الآخر، والإنسان، ومبدأ التسامح، وهذه العلة- أي عدم التناسق- تسربت بشكل ما، من بين طبقات الموروث العربي في عصور كانت البشرية في احتدام مستمر انعدم فيها الآخر، والإنسان، والتسامح، وللفت الانتباه هنا نعلم ويعلمون أن هذا التعنت، والرجعية، والأصولية التي تمارسها إيران ضد الآخر (=العرب)  منذ عقد من الزمان، إنما مورست  بموجب إحياء ثأر تاريخي تسرب لعقول الأجيال في إيران، ولنسبه ذات أهمية من الشيعة العرب .

 

إن عدم التناسق الفكري الذي يشكل خطاب هذه المنظومة وعلوه على البعد الزمني المكاني، أي أن لا حدود زمانية لهذا الخطاب فهو لا زماني موجود في تراكمات التاريخ، ولا مكاني فلا يقتصر على منطقة جغرافية بذاتها، فهذا نحن نشاهد شباب مسلم من ذوي الجنسية الأوروبية، يحملون المتفجرات لقتل الأنفس في فرنسا، أي أن عدم تناسق هذا الفكر -عابر للقارات- فالأفكار عندما تأخذ بمحمل الجد في الأغلب تفي بوعودها.

 

ومما لا شك فيه أن هذا الخطاب يواجه بشكل مستمر أصوات من داخل البيت العربي تدعوه إلى الاتساق والتوافق مع المنظومة الإنسانية في العالم انطلاقاً من الهوية الإسلامية، فنحن لا ندعو هنا لتخلى عن الهوية، إنما ندعو لإعادة ترتيب عدم التناسق، فلا يعقل أن ندعو للتسامح ونحن لا زلنا نزدري الآخر، ونحمل له الضغينة، ونرفض المشاركة الحضارية بدعوى الاهتمام بالهوية والمحافظة عليها.

 

يقول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: (رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي). من هنا قد يجد هؤلاء الطريق لإعادة ترتيب أفكارهم؛ لذا هذا النقد الذي يمارسه البعض عليهم وعلى الموروث العربي  ليس جلداً لذات، إنما هو محاولة لسد تلك التسربات التاريخية والتي تتدفق بدون أي  تصفية لما هو إنساني وغير إنساني، بل العكس نجد هذه المنظومة تنهل علومها من هذا التسربات التاريخية، بل تساهم في اتساعها بدون أي رؤية، وكأن تاريخنا وموروثنا، وبل إسلام، وإيمان أجدادنا طاهرٌ بالمجمل لا يشوبه شيء .

1 تعليق

  1. السلام عليكم
    مقال جيد .. ولكن أحب انبّه أخي الكاتب الكريم إلى ضرورة مراعاة الإخطاء الاملائية وتصحيحها .. خاصة كتابة الكلمة المعرفة باللام الشمسية بعد دخول اللام عليها مثل (الذات) الصحيح بعد دخول اللام (للذات) وليس (لذات) .

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.