فادي عيد: أهمية التحرك السعودي على رقعة القرن الإفريقي

فادي عيد: أهمية التحرك السعودي على رقعة القرن الإفريقي

شارك

جاء التحرك السعودي الأخير على رقعة القرن الإفريقي فى غاية الأهمية، لاعتبارات عديدة، كلها تصب فى صالح الرياض التى أدركت جيدًا أهمية التواجد على تلك الرقعة الهامة التى تتواجد فيها إيران بكثافة، وباتت تنتقل من خلالها على الشط الآخر باليمن.

فبعد حرب تموز 2006م بلبنان بات كلا من الرئيس الإيراني “محمود أحمدي نجاد” ووزير خارجيته “منوشهر متقي” يعيدوا النظر فى خريطة المنطقة من جديد، وشكل استراتيجية إيران الخارجية. فقد تطلب الأمر فى ذلك الوقت خروج إيران من دائرتها المعتادة، والمعروف بتشكيل جماعات مسلحة تحمل نفس عقيدتها ونهجها سواء بلبنان أو غزة أو العراق أو اليمن، والعمل على رسم خريطة جديدة لنفوذ إيران البحري، والخروج من الدائرة المحدودة بمياه الخليج العربي، والمياه الساحلية للمحيط الهندي، والخروج من نطاق أجنحة إيران بالجزيرة العربية والشام إلى ما هو أبعد من ذلك، فبات البحث عن فراغ ليكون لهم موطئ قدم جديد، بجانب كسر أي حالة من العزلة تفرض على إيران فى أي وقت، وكان الاختيار الواضح منطقة القرن الإفريقي وشرق أفريقيا .

وجاءت أول خطوة رسمية لتنفيذ تلك الاستراتيجية فى عام 2009م، بعد انعقاد القمة الإيرانية الجيبوتية بالعاصمة جيبوتى بين الرئيس إسماعيل عمر جيلا ونظيره الإيراني أحمدي نجاد، وهى القمة التى انتهت بتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون المشترك تضمنت الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، وبناء مراكز للتدريب، بالإضافة إلى منح البنك الإيراني قروضًا للبنك المركزي الجيبوتي، وإنشاء لجنة مشتركة ومساهمة في عملية التنمية في جيبوتي، وتقديم منح دراسية للطلاب الجيبوتيين في جامعات طهران، وتقديم بعض المساعدات المالية وغيرها.

ثم توالت الزيارات سواء من الرئيس الإيرانى أو مسؤلين بارزين إلى دول القرن الإفريقى وشرق أفريقيا، مستغلين فى المقام الأول الحالة الاقتصادية المتردية لدول القرن الإفريقى، والآن باتت سفن إيران الحربية ترسو فى ميناء جيبوتى، بجانب كثرة التلميح ببناء قاعدة عسكرية بحرية إيرانية بجيبوتى .

وتواجد إيران بمنطقة القرن الافريقى يكسبها نقاط استراتيجية وعسكرية غاية الأهمية أبرزها:-

أولًا: قرب القرن الإفريقى من مربع عمليات الشرق الأوسط ومضيق باب المندب الذى يمثل الشريان للبحر الأحمر وقناة السويس، وقربه الشديد من اليمن التى أصبحت خنجرًا فى ظهر دول الخليج، بعد اتساع نفوذ مليشيات الحوثيين العسكرية باليمن، وبعد إنشاء معسكرات تدريب لهم من قبل الحرس الثوري، بالاتفاق مع الحكومة الإريترية فى كلا من منطقة ساوي، ومنطقة الساحل الشمالي القريبة من منطقة إبريطي، وميناء عصب، الذى يعتبر نقطة رئيسية لتهريب الاسلحة من أريتيريا إلى محافظة صعدة، معقل مليشيات الحوثيين.

ثانيًا: كسر أي محاولة من محاولات فرض الحصار عليها، ومد نفوذ سلاحها البحرى إلى ما هو أبعد من الخليج العربي وبحر العرب.

ثالثًا: عدم اعتراض سفنها أو تعرضها للاختطاف من قبل القراصنة، وحتى لا ينكشف أمر السفن التجارية الإيرانية المحملة بالسلاح والتى تستخدم لأغراض عسكرية، وليس لأغراض تجارية.

رابعًا: إعداد نقطة انطلاق جديدة إلى الشمال تجاه البحر المتوسط، واعتماد مصانع أسلحة بأريتيريا والسودان، لإرسالها إلى حركة حماس بقطاع غزة، ولحزب الله بجنوب لبنان.

خامسًا: التمكن من دعم الجماعات المتشددة بغرب أفريقيا بسهولة، وهى جماعات ذات صلة وثيقة بحزب الله، بجانب إمكانية دعم بعض الجماعات الإسلامية بالصومال.

فدائمًا كانت هناك محاولات كثيفة ومستمرة لتشييع تلك الدول بشكل ممنهج ومنظم، سواء على مستوى القادة والنخب بتلك الدول أو على المستوى الشعبى. وأتذكر جيدًا لحظة تفاجأ فيها أغلبنا عندما تم نشر أخبار تفيد بأن الحرس الخاص لرئيس دولة جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية السابق “أحمد عبد الله محمد سامبي باعلوي” ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني، ثم إعلان الرئيس القمرى تشيعه فى عام 2008م . إضافة إلى ذلك الكم الهائل من المراكز الثقافية والمنظمات والجمعيات الأهلية التى يتم افتتاحها بشرق وغرب إفريقيا لنشر الفكر الشيعى. وجدير بالذكر أن التواجد العربى فى جزر القمر مقتصر على قطر فقط .

وجدير بالذكر أن أول حلقة تم عقدها بين طهران وأفريقيا كانت سنة 1991م بعد زيارة الرئيس “رفسنجاني” للسودان، بعد وصول نظام “البشير” الإسلامى إلى الحكم، وهوالنظام الذى ارتبط بصلة وثيقة بنظام الخومينى قبل وصول “الإخوان المسلمون” لسدة الحكم بالسودان، على غرار العلاقة الوطيدة بين جماعة الإخوان بمصر ونظام الخومينى قبل وصولهم للسلطة أيضًا.

وتكررت زيارة “رفسنجاني” عام 1996م، ثم صار الغموض بين علاقة طهران والخرطوم، إلى أن رست في ميناء بورتسودان السوداني المدمرة “الشهيد نقدي” في أول أكتوبر 2012م، ثم قصف المقاتلات الجوية الإسرائيلية لمصنع اليرموك بالسودان لتصنيع الاسلحة، وهوالمصنع الذى يشرف عليه الحرس الثورى الإيرانى، والذى كشف لنا عن خط الحرير الذى يتم من خلاله تهريب السلاح من ميناء بورتسودان إلى قطاع غزة.

واكتمل المشهد تعقيدًا بعد التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السوداني “علي أحمد كرتي” بأن الخرطوم رفضت طلبًا من طهران لبناء قاعدة صواريخ موجهة ضد السعودية.

ومن ما سبق نفهم جيدًا كيف تتحرك السعودية حاليًا بذكاء على تلك الرقعة من الشطرنج المسماة بالقرن الإفريقي، بعد أن استقبلت الرياض رئيس جيبوتي إسماعيل جيلة، ومن قبله رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين، وفتح خطوط اتصال مباشرة مع الجانب الإريتري.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.