شارك

يبدو أن اندلاع ثورات الربيع العربي كان بمثابة ساعة الصفر بالنسبة للنظام التركي، من أجل أن تبدأ أنقرة في تنفيذ خطتها لاستعادة أمجاد بلادها، وربما لدعم مصداقية النظام أمام شعبه، بعد سلسلة كبيرة من الفشل في تحقيق حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي، إلا أن الأمور لم تسر كما كان مخططا لها من قبل رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، والذي يتولى حاليا منصب الرئيس، بحسب ما ذكر الكاتب الفرنسي دومنيك مويسي، في مقال منشور بموقع “بروجيكت سينديكيت”، حيث كانت رؤيته- أردوغان- تقوم على أساس استغلال حالة الاضطراب التي تشهدها المنطقة من أجل إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط.

الإسلام والديمقراطية

وأضاف الكاتب الفرنسي- والذي يعمل أستاذا في معهد الدراسات السياسية في باريس- أن تركيا قبل الربيع العربي كانت في مركز أكثر قوة، ربما أتاح لها أن تحقق مزيد من التغيير، حيث اعتمدت اقتصاد السوق والديمقراطية كأساس للنظام مدعوما بإرث ثقافي غني، لتصبح تركيا نموذج للنظام الفريد الذي يقدم برهانا عمليا أن الإسلام لا يتعارض مع الحداثة والديمقراطية بأي حال من الأحوال، كما هو الحال في إندونيسيا.

إلا أن المرحلة التي تلت ذلك، ربما أثارت قدرا كبيرا من القلق لدى المتابعين للشأن التركي، بحسب “مويسي”، حيث سعى أردوغان للاستحواذ على السلطة منتهكا لمبادئ الديمقراطية التي روج لها في البداية، ولكن تبقى أهم تداعيات التوجه التركي الجديد متمثلا في خسارة بلاده لطموحاتها الإقليمية القيادية.

زعيم إقليمي

وأضاف الكاتب الفرنسي أن المسألة بدأت مع محاولة الرئيس التركي فرض نفوذه الإقليمي من خلال الإصرار على تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، في أعقاب اندلاع الانتفاضة السورية في مارس 2011ـ حيث كان يثق أن دعوته ربما سوف تجد أذانا صاغية، موضحًا أن أردوغان كان يعتقد أنه سوف يتحول إلى زعيم إقليمي بفضل الأزمة السورية، وهو الأمر الذي تزامن مع تشديد المواقف التركية من الغرب، وكذلك الصدام مع إسرائيل.

إلا أن سياسات الرئيس التركي ذهبت ببلاده بعيدا، بحسب “مويسي”، حيث إنها عكست- بصورة كبيرة- أن تأثيره في منطقة الشرق الأوسط أقل بكثير مما كان متوقعا، بل إن توجهات أردوغان ربما تتحمل مسئولية اتساع دائرة الاضطرابات ليس فقط في المنطقة، ولكن أيضا في الداخل التركي، حيث أدت بصورة كبيرة إلى إعادة تنشيط خطر القومية الكردية، والتي بذل الرئيس التركي جهودا كبيرة في سبيل السيطرة عليها خلال سنواته الأولى في الحكم.

الكرامة الوطنية

ووفقًا للكاتب الفرنسي، فإن الرئيس التركي لم يقدم ما يمكن أن يقنع به الغرب أنه جاد في مواجهة مشكلة اللاجئين، وكذلك لم يسهم في الحرب على الإرهاب؛ ما يجعل دوره فاعلا في القضاء على تنظيم “داعش”، بل على العكس يضع فكرة القضاء الأكراد كأولوية بالنسبة له.

مزيد من العزلة

وأضاف “دومنيك مويسي” أن الرئيس التركي ربما لا يتجه نحو تغيير سياساته في المرحلة المقبلة، حتى وإن أدت تلك السياسات إلى مزيد من العزلة لتركيا نحو حلفائها الغربيين، خاصة وأنه مازال مقتنعا أن الدول الغربية هي الأكثر احتياجا له في ظل عضويته لحلف شمال الأطلنطي “الناتو”، وكذلك الدور الذي يمكنه أن يؤديه في سبيل احتواء تدفق اللاجئين للأراضي الأوروبية، وهو ما يعكس استمراره على نهج الزعيم الواثق الذي سبق وأن دفع ثمنه من قبل.

واختتم الكاتب مقاله، محملًا أردوغان مسئولية الإرهاب الذي ضرب بلاده في الآونة الأخيرة، موضحا أنه بالرغم من أنه أثبت من قبل مرونة سياسية غير عادية في عدة مواقف، إلا أنه ينبغي إدانة سياساته التي يتبناها في المرحلة الراهنة، والتي أضرت بتركيا ومحيطها الإقليمي خلال السنوات الأخيرة.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.