«كيسنجر» يحذر «أوباما» من المخططات الاستعمارية لـ«إيران» في المنطقة

«كيسنجر» يحذر «أوباما» من المخططات الاستعمارية لـ«إيران» في المنطقة

شارك

«الاتفاق مع بوتين حول الوضع السوري، لا يُعارض بالضرورة مصالحنا القومية، فتدمير داعش هو الضرورة الأولى، قبل التفكير في مصير بشار الأسد».

 ما سبق مقتبس من الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية الأمريكي الأشهر هنري كيسنجر، إلى الرئيس باراك أوباما بشأن الأزمة بين بلاده وروسيا؛ محذرًا من خطورة المخططات الاستعمارية لإيران في منطقة الشرق الأوسط. رسالة كيسنجر إلى أوباما- رغم أنها لم تحظ باهتمام كبير من المراقبين والمحللين المهتمين بالشأن الدولي، وتحديدًا ما يدور في سوريا وليبيا والعراق واليمن- إلا أنها تكتسب أهمية خاصة، إذ تسبق اجتماعا بين واشنطن وموسكو والرياض؛ لبحث حل الأزمة السورية. التحذير من إيران ما يهمنا في رسالة الثعلب الأمريكي العجوز، التي نشرها في صحيفة «وول ستريت جورنال»، هو تحذيره من «خطرين»، بحسب قوله، الأول: هو ابتلاع الشرق الأوسط السني من قبل أربعة عناصر «إيران وطموحاتها الاستعمارية، والجماعات الإرهابية، والصراعات المذهبية الداخلية، والضغوط المحلية، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. الأمر الثاني، الذي حذر منه كيسنجر هو الوقوع في فخ المقارنات والتشبيهات بين انفتاح أمريكا في عهد الرئيس نيكسون على الصين عام 1971، وهو ما أسهم في إضعاف الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة لاحقا في عام 1989، وبين انفتاح أوباما علي إيران عام 2015، مشيرًا إلى أنه لا يوجد أي توافق استراتيجي مماثل بين واشنطن وطهران، حيث رفض المرشد الأعلى خامنئي، في أعقاب الاتفاق النووي مباشرة، المفاوضات مع واشنطن بشأن القضايا غير النووية، مكررا وصفها بـ«الشيطان الأكبر»، ومشددًا على زوال إسرائيل من الوجود في غضون 25 سنة. أما بقية رسالة كيسنجر لأوباما فهي مجرد مفردات بلاغية، مثل ضرورة إقامة نظام عالمي جديد، مع تحديد أهداف أمريكا الكبرى، واعتماد مبدأ التوافقات الضرورية مع القوى الدولية. توقيت الرسالة وأهميتها توقيت رسالة «كيسنجر» غاية في الأهمية، لأنها تتزامن مع اقتراح أميركي عرض على موسكو بالفعل، يتضمن عقد لقاء دولي – إقليمي، لا يشمل إيران، للبحث عن حل للأزمة السورية.

حيث تجري التحضيرات على قدم وساق لاجتماع أميركي – روسي – سعودي، يضم وزراء خارجية الدول الثلاث، للبحث عن حل سياسي، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا. وحذر كيسنجر الإدارة الأمريكية من تنفيذ «وثيقة إيران وجيرانها»، التي تؤكد على أن التقارب الأمريكي – الإيراني لا يقل أهمية عن التقارب الأمريكي – الصيني الذي بدأه الرئيس نيكسون في السبعينات من القرن العشرين. ووفقًا لما سبق، وحسب تشارلز فريمان، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية 1989 – 1992، فإن هذه الوثيقة أشارت إلى أن المزالق الخطرة والتهديد المشترك الذي يواجه العراق وسورية وإيران وأمريكا والغرب والخليج، تعيد صيغة «نيكسون– الصين» من جديد.

ابتلاع الشرق الأوسط إيران التي يحكمها الشيعة وما لديها من إرث إمبريالي فارسي، والحركات الراديكالية أيديولوجيا ودينيّاً التي تناضل لإطاحة الهياكل السياسية السائدة، والصراعات الراهنة داخل كل دولة بين جماعات إثنية ودينية جُمّعت عشوائيّاً بعد الحرب العالمية الأولى على هيئة دول (آخذة الآن في الانهيار)، والضغوط المحلية النابعة من اتباع سياسات داخلية سياسية واجتماعية واقتصادية وخيمة. اتجاهات متضاربة. وبحسب كسينجر، مكّنت هذه الاتجاهات المتضاربة، التي يفاقمها انسحاب أمريكا من المنطقة، روسيا من الانخراط في عمليات عسكرية في عمق الشرق الأوسط، وهو ما يمثل عملية نشر غير مسبوقة في التاريخ الروسي. شغل روسيا الشاغل هو إمكانية تمخّض انهيار نظام الأسد عن تكرار الفوضى الليبية والإتيان بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا إلى السلطة في دمشق، وتحول سوريا كلها إلى مأوى للعمليات الإرهابية، التي ستصل إلى المناطق المسلمة داخل حدود روسيا الجنوبية في إقليم القوقاز وأماكن أخرى. على السطح، يخدم تدخّل روسيا سياسة إيران المتمثلة في الإبقاء على العنصر الشيعي في سوريا. لكن من منظور أعمق، لا تتطلب أغراض روسيا استمرار حكم الأسد لأجل غير محدود. وبحسب «كيسنجر»، إنها مناورة كلاسيكية من مناورات توازن القوى لتحويل التهديد الإرهابي المسلم السني من المنطقة الحدودية الجنوبية في روسيا، على حد وصف كيسنجر، مضيفاً أن هذا يمثل تحديّاً جغرافيّاً سياسيّاً لا أيديولوجيّاً وينبغي أن يُتعامل معه على ذلك المستوى.

فمهما كان الدافع، تتمخض القوات الروسية في المنطقة، ومشاركتها في عمليات قتالية، عن تحدٍ لم تواجه السياسة الأمريكية الشرق أوسطية مثله منذ أربعة عقود من الزمن على الأقل. رفض وثيقة طهران وجيرانها تقول الوثيقة إن الاتفاق النووي مع إيران سيكون حافزا للولايات المتحدة لأن تلعب دورا في المنطقة، ووضع أولويات جديدة في الشرق الأوسط. وتوصي بأن تتعاون واشنطن مع طهران، من خلال تجمع أكبر، ينبغي أن يشمل دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية وتركيا، إضافة إلى حكومة العراق، من أجل استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط، ناهيك عن كونه فرصة لجميع الأطراف، لاكتشاف المصالح المشتركة، من خلال مكافحة واحتواء التطرف، وهي فرصة لا يجب أن تضيع. وأيد هذه الفكرة معظم خبراء الأمن القومي والاستراتيجيين الأميركيين – باستثناء السياسي المخضرم هنري كيسنجر – فيما عرف بوثيقة «مشروع إيران: إيران وجيرانها» عام 2014.

أيمن عبد التواب 

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.