محمد العمر: المحافظون العرب

محمد العمر: المحافظون العرب

شارك

يعتبر حزب المحافظين في بريطانيا من أفضل الأحزاب السياسية تنظيماً وله لجان في جميع الدوائر الانتخابية، كما أنه ينتمي ليمين الوسط، وهو من أعرق الأحزاب السياسية في بريطانيا وأكثرها وجوداً في السلطة، وينهج الحزب سياسة التشديد على مكافحة الجريمة ووضع ضوابط وقيود على الهجرة إلى بريطانيا.
يميل المحافظون في الحزب البريطاني إلى التأكيد على أهمية بريطانيا كأمة، ولكنهم لا يسعون لعزلتها عن باقي الدول، كما عُـرف عن الحزب منهجه الليبرالي المحافظ سياسياً واقتصادياً، وتمسكه بالنظام الملكي في بريطانيا، ورفضه أي تغيير سياسي أو اجتماعي راديكالي.
في الولايات المتحدة الأمريكية، يقع تيار «المحافظين الجدد» على النقيض تماماً من حزب المحافظين البريطاني، كونهم مجموعة سياسية وتيارات فكرية أمريكية تميل إلى اليمين المسيحي المتطرف، والتي تُـنظّـر للهيمنة الأمريكية في العالم الجديد، مؤسسة هذه النظرية على القوة الأمريكية المتعاظمة في الشرق الأوسط.
في البداية، لم يكن اسم المحافظين الجدد إلا لقباً أُطلق عليهم من قبل الليبراليين الأمريكيين من باب السخرية والنيل من قيمتهم الفكرية، ويعود ذلك إلى أنه على الرغم من أن كل توجهات وأفكار أتباع «المحافظين الجدد» فهي توجهات يمينية متشددة تتقارب بشكل كبير مع التوجهات المحافظة، إلا أن أنصار ليو شتراوس الملهم لأيديولوجيا المحافظين الجدد قد ادعوا الليبرالية وأطلقوا على أفكارهم أو حركتهم اسم «الليبرالية الشتراوسية»، وقد دفع هذا بالليبراليين الأصليين إلى إطلاق اسم أو وصف «المحافظين الجدد» على أنصار شتراوس حتى يمكن تمييزهم عن القوى التي تمثل اليمين المحافظ التقليدي.
هذا التعريف المبسط والمختصر يقودني إلى ذلك الوصف الذي يُطلق على المحافظين العرب، وأقصد بهم التيار الديني الإسلامي، ولم أجد نفسي إلا متحفظاً على وصفهم بالمحافظين، لأن المسلمين بالمجمل محافظون في أخلاقهم وتعاملهم، بالإضافة إلى أهدافهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، والمجتمعات الإسلامية بأطيافها وأحزابها وتياراتها كافة تميل إلى ذلك.
الإشكالية التي وقع فيها العرب أنهم وجدوا أنفسهم مجبرين على تصنيف المجتمعات إلى فريقين: محافظين وليبراليين، بل يذهب التيار المحافظ متمثلاً بفريق متشدد لإثبات نظرياتهم عبر فرد العضلات ولَيّ ذراع الآخر.
من هنا أجد نفسي مجبراً على طرح رأيي بتجرد ومن دون انحياز، أن الفريق الليبرالي المعتدل يبتعد عن التشدد في الفكر والرأي، ويتجنب التزييف وتغيير الحقائق وتغييب المجتمعات، ويؤمن بنظرية نشر الوعي وتعزيز الثقافة وحرية الرأي والتعبير، ويحترم الآخر طالما أنه لم يتعدَّ على الخصوصية ولم ينهج سفك الدم ولم يتعرض للشرف والعرض ولا لثوابت الوطن.
إذاً فكما أن أنصار ليو شتراوس ادعوا الليبرالية، فإني أرى أن بعض محافظي العرب ادعوا مبدأ الاعتدال.

نقلًا عن “الرؤية” الإماراتية

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.