محمد العمر: من الوطن إلى الطائفة

محمد العمر: من الوطن إلى الطائفة

شارك

لدينا نزعة تعليق الفشل على شماعة الآخرين، والحقيقة أن العالم يُعاد تقسيمه بسبب قصور بعض الأنظمة عن حماية الأقليات، وتراجع الانتماءات من الوطن إلى القبيلة والطائفة، حيث سيشهد العالم ميلاد دول طائفية غير مستقرة ونشهد حروباً دينية، ما يرشح المزيد من الانقسام والاقتتال الطائفي.

لا توجد وصفة سحرية للخروج من المأزق، لكن علينا إنقاذ الدولة الوطنية وإطفاء الحرائق المشتعلة حالياً في كل من سوريا والعراق وليبيا وغيرها، وحماية الدول المتماسكة التي عليها أن تكون قاطرة لحماية العالم العربي، وعلى الدول العربية أن تدعم ركائزها في الداخل وتبني أرضية خصبة وقوية.

نحن الآن أمام وجه استعماري جديد، لم يعد بالبزة العسكرية الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية أو العثمانية، ولم يعد باسم «الانتداب» ولا «المحميات» ولا «المستعمرات»، ولم تعد ترفع الأعلام البريطانية والفرنسية والأمريكية، بل أصبح اليوم باسم «الخلافة الإسلامية»، وأصبح تدجين الشعوب عبر علماء التكفير والفتنة وفتاوى الانحراف والتحريف عن دين الإسلام، وأصبحت الراية التي تنوب عن الاستعمار هي الرايات السوداء التي تحمل شعار «لا إله إلا الله محمد رسول الله» زوراً وتشويهاً، وتلك الأخرى الحمراء والصفراء والخضراء التي تتمسح بحب آل البيت، وما آل البيت منهم إلا براء، فتلك الرايات وأصحابها نماذج لتلك الأدوات الاستعمارية الجديدة في منطقتنا.

إن القوى العالمية تتقاسم حقيقة النفوذ والطاقة والمناطق الاستراتيجية، وبذلك يكون المدخل لها هو رسم حدود جديدة عن طريق الفوضى الخلاقة، كما أن الصراع الدولي الحالي يأخذ أبعاداً قديمة جديدة لا يمكن تجاهلها حتى لا ينتهي بنا المطاف على أسس جغرافية قبلية وطائفية وعلى شاكلة خارطة استعمارية.
هناك محاولات حثيثة من قبل بعض الأنظمة القائمة التي تعاني بلادها من صراعات دموية وطائفية، وتسعى من حيث تشعر أو لا تشعر، إلى تحقيق التقسيم الذي هيأته تلك التنظيمات المتطرفة، وكأنه طبق من ذهب قُدّم لها. فالمرحلة المقبلة هي مرحلة عصيبة للدول التي تعاني من صراعات ونزاعات تهيمن عليها تنظيمات متطرفة، ما لم تُتَّخذ إجراءات تصحيحية وتدخل سياسي حكيم لنزع فتيل التدخل الإيراني وإيقاف الدم الطائفي وحمى الاستعمار المتطرف، ورغم ذلك يبقى من الممكن التصدي لهذا الخطر الحاصل بالوعي أولاً، ثم بفضح وتفكيك الخطاب المصاحب للحالة المذهبية الرائجة وتعرية دوافعها وآلياتها ووسائلها المدمرة.

في نهاية المطاف يجب علينا إدراك نهج التنظيمات الإرهابية المتبع في المنطقة، والتي غرضها تفكيك الدول العربية عبر إثارة الطائفية واستفزاز الشعوب مذهبياً، وتهييج المتطرفين من الطرف الآخر، بالإضافة إلى ممارسات بعض الأنظمة القابعة في حمى الصراع، والتي تتعامل مع الأمر على مبدأ التصفيات السياسية، متجاهلة سحق الشعوب أرضاً وجواً.

نقلًا عن “الرؤية” الإماراتية

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.