شارك

مدن كاملة وأحياء تعيش تحت الحصار.. السكان لا يبرحون منازلهم.. الدبابات أغلقت الحواري الصغيرة.. والرصاص العشوائي يتطاير ليخترق النوافذ.. هكذا أصبح الحال، ليس في سوريا، وإنما في تركيا، بحسب ما ذكر الكاتب التركي عبد الله ديمرباس، مستهلا مقاله في “نيويورك تايمز”.

وأضاف الكاتب التركي، في مقاله بالصحيفة الأمريكية، أن الأوضاع أصبحت في غاية السوء في تلك الدولة التي تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولعبت دورا كبيرا لدعم ثورات الربيع العربي، نظرا للحرب التي اشتعلت منذ الصيف الماضي في المدن الكردية بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني.

واستطرد ديمرباس قائلًا “لعل أكثر المناطق تضررا، هي مقاطعة سور ديار بكر التاريخية، والتي توليت رئاسة بلديتها في الفترة ما بين عامي 2004 و2014، حيث أصبحت خاضعة لحظر التجول طيلة الأربع والعشرين ساعة منذ ديسمبر الماضي. الكثير من أحيائها أصبحت في حالة خراب، بينما مبانيها التاريخية تدمرت. تلك المحال التجارية التي كانت يوما ما مزدحمة بالزبائن أصبحت خاوية، والمستشفيات تفتقر للأطباء، في حين أن المدارس أغلقت أبوابها، وعشرات الألاف من سكانها تشردوا.”

بينما تبقت في النهاية جدران المقاطعة التي تحيط بالمدينة القديمة، والتي كانت مأهولة بالسكان لألاف السنين، بحسب المسئول التركي السابق، وإن كانت أصبحت في حالة يرثى لها بعد عقود من الصراع، حيث مازالت تعيش بها العديد من الأقليات سواء من الأرمن أو الأشوريين أو الكلدانيين أو الإيزيديين أو غيرهم من مختلف الطوائف الإسلامية.

وخلال العقد الماضي، عملت البلدية على إحياء هذا التراث الثقافي المتنوع والحفاظ عليه، بحسب الكاتب، موضحا أنه خلال وجوده في منصب رئاسة البلدية أشرف بنفسه على إعادة ترميم العديد من المباني التاريخية التي تعكس هذا التنوع الثقافي، حيث أعاد فتح الكنيسة الأرمينية التي تعد الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط كما استعاد كنيس يهودي.

وأضاف “ديمرباس” أن جهود التطوير لم تتوقف على مجرد استعادة المباني القديمة وأحيائها، وإنما امتدت كذلك إلى تأسيس حوار ثقافي بين قادة مختلف الطوائف الدينية والعرقية والثقافية المتواجدة داخل المدينة، وهو ما حمل اسم “مجلس الأربعين”، والذي ساهم بصورة كبيرة في أن تنأى المدينة التاريخية بنفسها عن نيران الصراعات الطائفية لتصبح رمزا للتعايش السلمي في منطقة أصبح التعصب بمثابة السمة الرئيسية داخلها.

واستطرد الكاتب قائلا: “يبدو أمرا محزنا للغاية بالنسبة لي أن أرى تلك التعددية تنهار جنبا إلى جنب مع المباني التاريخية بالمقاطعة. ها هي الطائفية تدمر سوريا أمام أعيننا. ولنتفادى نفس المصير، دعا مجلس الأربعين الحكومة التركية لإنهاء حظر التجول وطالب جميع الأطراف بالتوقف عن الأعمال العدوانية والعودة لمحادثات السلام في إطار من الديمقراطية.”

وأشار ديمرباس إلى تصريحات أردوغان، والتي أكد خلالها أن العمليات العسكرية لن تتوقف في المدن التركية حتى يتم تطهيرها من الإرهابيين، مهددا بمطاردتهم في المباني والبيوت والخنادق التي قاموا بحفرها، إلا أن التساؤل يدور في هذا الإطار حول ما إذا كان من الممكن أن يتحقق السلام على أنقاض الحروب. ربما تكون الإجابة واضحة في العقود التي شهدت حروبا متتالية بين الأتراك والأكراد ومازالت لم تولد سوى مزيد من الصراع والحروب.

“الحوار خيار متاح، إذا ما أرادت السلطة ذلك”، هكذا قال الكاتب التركي، مضيفًا “لعل التاريخ القريب يشهد بذلك، ففي الربيع الماضي كان الطرفان على وشك تحقيق انفراجة كبيرة بعد عامين ونصف من المفاوضات”.

وأضاف ديمرباس “الأكراد غالبا ما يختارون السياسة على حساب العنف ويختارون التعايش مع تركيا الديمقراطية إذا ما اعترفت بهم وبهويتهم دون تمييز، ولكن إذا ما استمر الصراع، فإيمانهم بالمسار السياسي سوف ينهار.”

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.