«السيسي» في المخابرات

«السيسي» في المخابرات

شارك

«المخبولون» فقط من يعتقدون أن مصر تدار عبر مخيلات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يستند في جميع تحركاته المتعلقة بشأن السياسات الخارجية للدولة المصرية، إلى تقديرات الموقف وتوصيات وتحليلات الأجهزة السيادية والمعلوماتية المختصة في قراءة المشهد الإقليمي.

 

«السيسي» لا يعزف منفردًا، على الأقل فيما يتعلق بموقف مصر من الوضع الإقليمي شديد الاشتعال والضبابية، والذي يفرض عدة قيود على أي قرار قد يخرج من مؤسسة الرئاسة المصرية، خاصة بعد أن كشفت الأحداث الحاصلة، بما لا يدع مجالاً للشك، أن أسلوب اللعب الحالى، هو الأحدث في حلبة الصراع الدولي، التى قد ينتج عنها إعادة ترسيم الخريطتين الطبوغرافية والجيوسياسية للشرق الوسط.

 

ولا ننكر أن مصر تتخذ موقف المتابع «عن كثب»، ويعمل محللو المعلومات على الوصول إلى تقدير موقف، يسمح للتحرك دون خسارة قدر المستطاع، فمن الطبيعي أن تسعى كل دولة إلى تحقيق أكبر مكاسب سياسية واستراتيجية، في أي خطوة تقدم عليها، وأن تضع شعبها ومصيره نصب عينيها، قبل الإقدام على أية حماقة قد تزج بها في أتون معركة مجهولة النتائج.

 

كان ما سبق هو السبب الرئيسي وراء زيارة «السيسي» لجهاز المخابرات العامة المصرية، الأجدر في تقدير الموقف وتحليله، والخروج بتوصيات تتفق مع الحفاظ على الأمن القومي المصري، وروافده في المحيط العربي، حيث إن ثوابت العقيدة الاستراتيجية المصرية، لا تنفصل عن الأمن القومي العربي كأحد دعائمه، وفي المقدمه منه سوريا.

 

من المعروف أن رئيس الجمهورية المصري يتلقى بصفة دورية وروتينية، تقارير الأجهزة المعلوماتية، مساهمة منها في توفير المعلومة التى يستند عليها صاحب القرار، في اتخاذ قراره حسب ما تقتضيه الأوضاع والمصلحة القومية، وأعتقد أن نذر الحرب الدولية التي تلوح بإلحاح في المنطقة، كانت السبب في زيارته للجهاز، وعدم الاكتفاء بالتقارير المرسلة إليه، فالأوضاع الحالية تقتضي المناقشة والدراسة والأخذ والرد، للإعلان عن «موقف مصري فاصل»، يخرج من حيز المراقبة إلى دائرة المشاركة.

 

لقد حوت زيارة السيسي للمخابرات رسالة، مفادها أن الدولة المصرية بصدد اتخاذ موقف مصيري، من ما تشهده المنطقة، والإعلان عن موقف رسمي ينهي الجدل الدائر، والاتهامات الموجهة من الداخل والخارج، خاصة وأن الجهاز يضم ما يسمى بهيئة التقدير والمعلومات، المسئولة عن جمع كافة المعلومات والتقارير، المتعلقه بالخارج لا الداخل، وتحليل كل ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، والخروج من تلك المعطيات بتوصيات «هي الأقرب للتفعيل»، بخطوات رسمية من القيادة السياسية.

 

من وجهة نظري أن الدولة المصرية تتجهز منذ فترة لقرار مصيري، قد ظهرت بوادره مع تصميم مؤسسات الدولة المعنية، علي إنهاء أو على الأقل تحجيم تحركات تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء، والذي كان بمثابة بداية التجهيز لموقف مصري إقليمي، كخطوة في اتجاه وضع الأزمات الداخلية المعقدة، في معادلة صفرية مستقرة، تجنبًا لأية مفاجآت من شأنها تشتيت القوات المسلحة، والأجهزة المعلوماتية.

 

أعتقد أن الفترة القليلة القادمة قد تشهد تحركات مصرية على الأرض في دول جوار، يسبقها إعلان موقف رسمي، قد يكون بداية لرسم سياسات مصرية خارجية جديدة، بشكل يساهم في إعادة التوازن في المنطقة، من خلال استخدام الردع الاستراتيجي، وتطوير العلاقات مع دول غابت عن خريطة الدبلوماسية المصرية، ومواربة الباب عن دول نازعت مصر سيادتها داخل أراضيها، وهي خطوات من شأنها إعادة الأشياء إلى إطارها التي تمردت عنه.

 

كما أرجح أن تتجه مصر غربًا، فالشرق فيه ما يكفيه، تمهيدًا لاستقبال «الطيور الداعشية» المهاجرة من جحيم العراق وسوريا، بحثًا عن ملاذ في ليبيا، إن لم يكن بدأ النزوح الفعلي، بعد أن تسابقت الكتلتين الشرقية والغربية، على إثبات «من منهما الأصدق في استهداف التنظيم الإرهابي».

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.