ياسر الذهيبي: المرجفون في (الميزانية)

ياسر الذهيبي: المرجفون في (الميزانية)

شارك

ذُهلت وأنا أتابع بعض ردود الفعل على ميزانية المملكة العربية السعودية للعام (٢٠١٦م)، حيث أن البعض حاول استغلال أرقامها في إثارة الفتن وتهييج المجتمع ونشر الإشاعات والافتراء (على خلق الله)، والمدهش أن بعضهم لا يفقه شيئاً في الاقتصاد وأغلبهم (من قوم دبلوا الرواتب احنا دولة بترول أو الاقتصاد بينفقع).

دعونا نبدأ من الفرق بين (الميزانية والموازنة)، فالموازنة عبارة عن توقع لدخل الدولة وفق متوسط أسعار السلع المصدرة (البترول) وتوقع للمصروفات (رواتب موظفين، مشاريع تنموية ….الخ) ، أما الميزانية فهي بيان للوضع المالي في فترة محددة بناء على الدخل والمصروفات ومايتعلق بهما.

وبمقارنة موازنة العام المنصرم (٢٠١٥م) بموازنة هذا العام (٢٠١٦م) نجد وبلغة الأرقام أن موازنة هذا العام أفضل من العام الماضي، بل أنها مبشرة بالخير في ظل التقلبات الحاصلة في المنطقة والعالم أجمع والحروب الخفية التي أصبحت حروب اقتصادية أكثر من كونها نزاعات سياسية، ففي العام الماضي كانت الإيرادات (٦٠٨ مليار) والمصروفات (٩٧٥ مليار) بعجز بلغ (٣٦٨ مليار) أما في العام الحالي فإن الدخل المتوقع (٥١٤ مليار) بينما المصروفات (٨٤٠ مليار) بعجز مقدر (٣٢٦ مليار) أي أن العجز المتوقع في هذا العام أقل من العام الماضي مع الأخذ في الاعتبار أن أسعار البترول أخذت في النزول من العام الماضي بمنحى هابط واقتصادنا معتمد على البترول كدخل وحيد تقريباً ونمثل مايسمى الاقتصاد الريعي (أبوي) بمعنى أن الدولة لا تقوم بتحصيل ضرائب من المواطنين، ومع وجود نزاعات وقلاقل تستنزف جزء كبير من دخل الدولة بالاضافة للحرب التي تخوضها مملكتنا الغالية لإعادة الشرعية في اليمن ودحر المعتدين من المليشيات التابعة لإيران (وتوجب علينا زيادة المصروفات العسكرية) ودعمها للشعب السوري والشعب المصري.

وفي خضم تلك الأحداث ومع كل هذه المعطيات إلا أن يصر على استغلال أي حدث للإرجاف ونشر الإحباط في المجتمع، فمع إعلان الموازنة العامة وقبل حتى سماع تفاصيلها سارع بعض (المرجفين) إلى رمي التهم يميناً ويساراً واختراع القصص الدرامية حول السرقات والفساد مع العلم أن إثبات تلك التهم مستحيل بل أن إثبات عكسها أسهل، فيكفي أن تحسب ناتج ضرب عدد (براميل البترول) في سعر (البرميل) لكتشف أن (البرميل الاقتصادي الذي يحدثك لا يعرف شي عن الدخل) ولتعرف الدخل القومي للبلد وتقارنه بمايتم الإعلان عنه لتعرف الخطأ من الصواب.

وبعد رفع بعض الدعم عن الوقود والكهرباء وجد البعض الآخر من (المرجفين) فرصه لبث سمومهم مجدداً فأخذوا يتباكون على (الفقراء) الذين سيعانون من هذا الارتفاع (المهول بحسب مايتم تصويره من قبلهم) وكيف سينعكس ذلك حتى على أسعار (أقمشة الثياب ومحلات الخياطة) ونسوا أو تناسوا أنه حتى بعد رفع جزء من الدعم وزيادة (٣٠ هللة للتر) ستظل أسعار الوقود في السعودية من أقل دول العالم إذا لم تكن الأقل سعراً، وبمقارنة أسعار الوقود المحلية (البنزين على سبيل المثال) بمتوسط سعر الوقود في الأسواق العالمية نجد أن السعر العالمي يقارب (٢،٦ ريال) بينما السعر الاعلى في السعودية (٩٠ هللة للتر) أي أننا وبعد الزيادة أقل من المتوسط العالمي، ولازال بعض سكان المناطق الحدودية من الدول المجاوره يأتون للسعودية لتعبئة الوقود.

أما بخصوص زيادة الكهرباء فهي لا تضر أصحاب الدخل المحدود فمن كانت فاتورة الكهرباء الشهرية لديه لا تتجاوز (٣٠٠ ريال) فلن يتضرر بالزيادة وكلما زاد الاستهلاك سترتفع الفاتورة (هلالات للكيلو واط) لكل (زياد ١٠٠٠ كيلو واط) ومع تلك الزيادة فان مايدفعه المواطن مقابل مايأخذه من كهرباء لا يمثل اكثر من (١٥٪‏) من سعر التكلفة الحقيقية والذي تتحمل باقيه الدولة(٨٥٪‏ تقريباً).

مايدعو للتساؤل الآن!! إلى متى سنظل مع كل حدث نجد بيننا من ينشر التذمر ويسوق للسخط على الدولة؟ بسبب وبدون سبب!!، فبدلاً من تلك الأحاديث التي لا تقدم ولا تؤخر كان الأفضل البحث عن حلول عملية لرفع الدخل القومي (المعتمد على البترول) واقتراح (سلع) بديلة تزيد من متانة الاقتصاد فنحن الآن في زمن المعرفة وكثير من الدول أصبحت تسعى للتحول الى اقتصاد المعرفة وايجاد بدائل حديثة للدخل، ونحن مازلنا نستغل المعرفة ووسائل الاتصال ونشر المعلومات (لنشر الاحباط وشحن النفوس).

ألم يكن الأولى بنا (إذا لم نجد خيراً نقوله) أن نصمت امتثالاً لقول نبينا الكريم “فليقل خيراً أو ليصمت” عوضاً عن قول الكذب والزور والافتراء بدون دليل.

والأهم، إلى متى سنظل نوجد مشاكل ونتعامل مع كل حدث بسوداوية تعمي العيون والقلوب؟

وطننا يحتاج منا الوقوف معه في كل الأوقات ومن واجبه علينا المحافظة على مكتسباته وأن ننظر إليه بعين المحب الداعم لا بعين الحاقد الناقم.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.