جاسر الحربش: كيف يرانا العالم مقابل إيران

جاسر الحربش: كيف يرانا العالم مقابل إيران

شارك

يوم الأحد 17-1-2016م تم التوقيع على رفع العقوبات عن إيران مقابل تنازلها عشر سنوات عن التسلح النووي وثماني عن استيراد أو تصنيع الصواريخ العابرة للقارات. العالم الآن فتح أبوابه للتبادل التجاري والثقافي والبنكي والسياحي مع إيران، مع احتفاظها بالحق السيادي في امتلاكها الطاقة النووية. واضح أن العالم يتعامل مع إيران برؤية تختلف عن رؤية العرب إلى إيران وتشبه إلى حد بعيد رؤية إيران إلى العرب. الحديث في الموضوع صادم عندما يكون صريحًا ، لأننا كعرب نتوهم وجود الوضوح الكامل للعدوانية الإيرانية مقابل التأكيدات العربية للتعايش السلمي مع إيران ومع العالم كله. العالم له رأي مختلف، ويكمن وراء ذلك أسباب كثيرة لا يهتم بها العرب. العرب يطلبون القياس والمقارنة بمفاهيم الحقوق والسيادة الوطنية والصفقات التجارية، كفعل مضاد للاكتساح والتأجيج المذهبي وتصدير الصراعات والمفاهيم عبر الحدود من قبل الطرف الإيراني. أعتقد أن العالم ينظر إلى إيران كحضارة مألوفة ومهضومة لديه، وينظر إلى العرب كحضارة متوجسة تدعي خصوصية لا يملكها غيرها.

للتوضيح، عليك كعربي أن تضع نفسك في الموقف المتخيل التالي: أنت موجود في محفل دولي ضخم يضم مشاركين من مختلف الأعراق والجنسيات والدول. أنت موجود فيه بنفس حضورك عندما تكون في مجتمعك الخاص وبرسمك وكسمك ومفاهيمك، كما يوجد أيضًا بين المشاركين مواطن من إيران. هل تعتقد كعربي أنك سوف تلاحظ فوارق واضحة في تعامل المجموعات المختلفة معك كعربي من ناحية ومع الإيراني من الناحية الأخرى؟. أن قلت إنك لا تتوقع فروقات في التعامل فأنت واهم، وإن توقعت الوصول لترحيب وصداقات أفضل وأسرع مما يحصل عليه الإيراني فأنت جاهل ومغرور، وذلك بمفاهيم الشعوب وعلاقاتها العامة. توجد حواجز من المفاهيم الحضارية المسبقة بين شعوب الأرض، قد يسهل التعامل معها في بعض الأحيان ولكن قد تكون أحيانًا من المتانة بحيث تبقى متجذرة، لكونها مرتبطة بموروث ضارب في أعماق الماضي وما زال الحاضر يغذيها.

لنحاول التعرف على العربي داخل هذا المحفل العالمي المفترض، على أن يكون حاضرًا بالضبط كما يكون داخل مجتمعه الأصلي، إِذ إن المطلوب منه تمثيل مجتمعه ومفاهيمه في هذا التجمع. كل الحاضرين سوف يلاحظون فورًا اختلافك كعربي عن معظم الآخرين وتقريبًا في كل شيء، في الملابس وفي طريقة التحدث وطبقات الصوت وفي قلة استعمال مفردات المجاملة والتودد وفي الافتقار إلى الشعور الاندماجي مع الموسيقى والأغاني والرقصات التي تقدم كإضافة ترفيهية، وحتى في طريقة الأكل لو تناولته بطرقك التقليدية. ربما يكون مع الموجودين بعض الأفارقة وسكان الجزر النائية المعتزون مثلك بملابسهم وعاداتهم التقليدية، لكنهم حتما سوف يختلفون عنك في محاولات التقرب والتعرف والتمازج مع الأعراق الأخرى في الحفل الكبير، وفي طريقة التعامل مع الحصة الكافية فقط من الأكل وبدون زيادة، بينما أنت كعربي من غير المحتمل أن تهتم لذلك عندما تتصرف بصدق وبطبائعك وعاداتك وسجاياك.

لكن ماذا عن الإيراني في الحفل، بالمقارنة؟. لن يكون سهلاً على كل الحاضرين التعرف عليه كإيراني مثلما سهل عليهم التعرف عليك كعربي لأنه لا يختلف كثيرًا عنهم، يلبس نفس الملابس التي أصبحت عالمية لأنها عملية ويتلمس التعرف على الآخرين بابتسامة ذكية، صادقة أو كاذبة هذا لا يهم، ويستخدم طبقات الكلام والمفردات المناسبة لأسماع وأمزجة الحضور، ويحاول التسلل إلى قلوب كل الآخرين إلا إلى قلبك، وربما يغمز عليك من طرف خفي مع كل من يتعرف عليهم ليلفت انتباههم أكثر إليك وكم أنت مختلف وغير منسجم مع التجمع الاحتفالي البشري.

ما هي الطريقة المتكررة التي يقدم بها روتينيًا العربي والإيراني في النشرات الإخبارية والإعلامية والتعليقات السياسية في الوقت الحاضر؟. يقدم العربي كإنسان لا يكترث كثيرًا لانسجام مظهره العام مع ما حوله، يلبس قفطانًا عربيًا أو أفغانيًا، ومنفوش الرأس، يحمل كلشنيكوف ويتفوه بتهديدات فوقية واستهجانية للحضارات الأخرى، ثم يقهقه في عدسات الكاميرات ببلاهة، هكذا يقدم العالم إعلاميًا العربي. الإيراني يقدم بطريقة أخرى، كدبلوماسي أو تاجر أو عالم نووي، يفرك يديه بنعومة ويبتسم، يطلق الكذبة بعد الكذبة والادعاء بعد الادعاء والتظلم بعد التظلم، ولا يملك الآخرون تجاهه سوى التعاطف لأنهم يفضلونه على ذلك الأهبل حامل الكلشنيكوف. نعم نحن في رؤية العالم الحاضر مختلفون، وأكثر ما يظهر ذلك في جلسات الأمم المتحدة في نيويورك أو اللقاءات الدبلوماسية في جنيف.

بعد قراءة هذا المقال أتوقع الكثير من الاتهامات بالتغريب واهتزاز الثقة بالنفس وربما بما هو أدهى وأكبر، ولكن من من؟ بالطبع من أولئك الذين يروجون لقدسية العزلة والفرادة التي نحن عليها ويقدمونها كخصوصية شرعية عريقة بينما هي ليست كذلك وإنما مجرد إرث ثقيل من مخلفات العزلة الحضارية. حتى هذا الذي نسميه في المجتمع الخليجي زيًا وطنيًا هو في الحقيقة ليس كذلك، بل توليفة قيافة وأناقة حديثة تعيق الالتفات والحركة واستعمال الدرج والعربة والجلوس على مائدة الطعام. لباسنا التقليدي كان الثوب واسع الأردان والأكمام مع عمامة ملفوفة على الرأس، كما يلبس إخواننا في السودان. ما نلبسه اليوم مبالغات تأنق مرتبطة اجتماعيًا بادعاء الأصالة الوطنية.

نحن نعتقد بخصوصية تميزنا عن العالم، لكن العالم يقول لنا بل أنتم مختلفون عن العالم الحاضر في أشياء كثيرة ولذلك نتوجس منكم أكثر مما نتوجس من الإيرانيين.

نقلًا عن “الجزيرة” السعودية

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.