أحمد الجميعـة: تصيّد الإعلام المضاد..!

أحمد الجميعـة: تصيّد الإعلام المضاد..!

شارك

حرية الرأي والتعبير من القضايا المجتمعية المثارة لا تعني الانفلات من مصفوفة القيم المهنية والأخلاقية للممارسة، ولا يغيب عنها سقف الحرية في حدود السلطة التنفيذية، والهامش المتاح للتناول بحسب الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالموضوع المثار، وبالتالي مسؤولية الإعلام في أوقات الأحداث والأزمات أن يضحي بالسبق الصحفي مقابل الحفاظ على مصالح الوطن العليا، ومراعاة قيم وثقافة المجتمع.

نعم لوسائل الإعلام حق النقد الموضوعي وليس الانتقاد بحسب ما نصت عليه المادة التاسعة من نظام المطبوعات والنشر، وحق الجهة أو الفرد الرد والتصحيح على ما يُنشر، ولكن ما يفصل ما بين الحالتين هو الوعي في تحديد ما يُنشر وما لا يُنشر، واستحضار الأبعاد السياسية والأمنية والقانونية والأخلاقية قبل اتخاذ قرار النشر، ويتزامن مع ذلك مسؤولية التجاوب من الجهات ذات العلاقة في توضيح الحقيقة، وعدم التهرب منها، كما هو حال معظم المتحدثين الرسميين لكثير من الجهات الحكومية.

هناك قضايا باشر الإعلام مهمته في البحث عن الحقيقة ونشرها، ومعالجتها أيضاً، ولكن عملية الاستقصاء والبحث والتحري كانت وثيقة للإعلام المضاد في الترويج لأكاذيبه، وتأزيماته، ومعتقداته، وتحولت معها القضية من رأي داخلي إلى دولي، والشواهد كثيرة حينما تطالعنا صحف أجنبية نقلاً عن ما تنشره وسائل الإعلام المحلية، وتحديداً في الموضوعات التي يرى فيها وسيلة للضغط على المجتمع والدولة، ومنها حقوق المرأة، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية.

إعلامنا هو على هذا القدر من الوعي والمسؤولية، وهو شريك مخلص ولا نزايد على مواقفه المشهودة، ولكن طبيعة المهنة التي ترى في المنافسة سبيلاً للحراك وإثبات الوجود، والإثارة ملحاً للمضمون، والجدل وسيلة لتحريك الراكد والمسكوت عنه؛ جعلت من بعض هذا الإعلام -وأقول هنا بعض وليس كل- مصدراً لكثير من التقارير المسيئة عن المملكة، ومستنداً في تحوير الحقيقة إلى حيث الاتهام، والنيل من المبادئ، والخصوصية المجتمعية، وأسوأ من ذلك حين تكون وسيلة للتشكيك في نزاهة القضاء وعدالته.

لسنا في مقام التقييم، ولا البحث عن الأسباب، والدوافع، وحتى تبادل الاتهامات بيننا؛ فالإعلام له وجهة نظره، والجهات الحكومية حتماً لها رأي، ولكن قبل ذلك علينا أن نتفق أن القضايا التي تمس حقوق الإنسان والمرأة والمؤسسة الدينية والقضاء والأمن يجب أن نتوقف عندها، ونراعي المصلحة قبل السبق، ونشرك معنا الرأي الرسمي قبل النشر، وهي مهمة ليست مستحيلة، ولكنها ضرورية؛ لأن من يترصد بنا ينتظر انفراد الإعلام في عملية النشر لتضخيم الحالات الفردية على أنها قضية رأي عام، وبالتالي التعليق عليها والاستشهاد بها لتعميم الحالة على المجتمع، وهو غير صحيح.

لسنا مجتمعاً ملائكياً، ولكن لدينا ورش إصلاح كبرى للقصور والخلل، وعملية تحول حقيقية في بناء الإنسان والوطن، وما هو مطلوب في هذا التوقيت أن نكون أكثر وعياً ومشاركة نحو تحقيق هذا الهدف، ومعالجة ما يعتري الوصول إليه، وهو ما نجزم أن الجميع متفق عليه؛ لأننا في النهاية نسعد بمنجزنا، ونتفاخر به، ونبحث عن ما يجمعنا ولا يسيئ إلينا.

نقلًا عن “الرياض”

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.