شارك

الانقلاب العسكري الخامس في تاريخ تركيا الحديث فشل بعد 4 ساعات، ولم يتعدى كونه محاولة فاشلة يذكرها التاريخ.

ويتساءل الكثيرون حول أسباب فشل الانقلاب الذي قاده بعض القادة العسكريين في تركيا مساء أمس الجمعة، خاصة كونه يأتي في مرحلة من التوترات الداخلية وتراجع الحريات الإعلامية وتفاقم الصراعات السياسية بين الحكومة وأحزاب المعارضة.

وللإجابة على هذا السؤال يجب الربط بين دوافع الانقلابات العسكرية الأربع التي شهدتها تركيا منذ انقلاب السابع والعشرين من مايو عام1960 وحتى “انقلاب ما بعد الحداثة” في 28 فبراير عام 1997، مرورا بانقلابي عامي 1971 و1980.

ويمكن استخلاص أسباب فشل انقلاب الأمس في أربعة أسباب رئيسية، هي انقسام قيادات الجيش، السيطرة على جهازي الشرطة والاستخبارات، التأييد الشعبي، والنجاحات الاقتصادية، وأخيرا الخلفية الدامية للانقلابات العسكرية.

انقسام الجيش

على عكس الانقلابات التركية السابقة، انطلقت محاولة الانقلاب بالأمس من قبل عدد قليل من قيادات الجيش والأفرع، اعتمادا على قواتهم في مدينتي أنقرة وإسطنبول.

ولم يأتي الأمر من قِبل قائد هيئة الأركان مثل انقلاب عام1971، بل كان على العكس إذ عارضه رئيس الأركان الحالي خلوصي آقار وعدد من كبار قيادات الجيش.

وبينما قاد محاولة أمس المستشار العدلي للقيادة العامة التركية العقيد محرم كوسا، بمشاركة محمد أوغوز أكوش، أركان آغين، ودوغان أورصال، أعلن آخرون رفضهم للانقلاب ودعمهم لشرعية الرئيس التركي، إذ أوضح قائد القوات البحرية التركية الأميرال بوسطان أوغلو، تأييده للديمقراطية ورفضه محاولة الانقلاب، وكذلك قائد الجيش الأول الجنرال أوميت دوندار.

الشرطة والاستخبارات

كان لجهاز الشرطة في تركيا الكلمة العلى لتقييد محاولة الانقلاب بالبلاد، إذ كانت أولى القوى النظامية المتصدية لتحركات القوى الانقلابية في إسطنبول بصفة خاصة، وتمكنت سريعا من استعادة السيطرة على مبنى الإذاعة والتليفزيون التركي واعتقال العسكريين الذين اقتحموه.

كما انتشرت فرق الشرطة في شوارع وبعض الميادين وحول الأماكن الهامة لتأمين مؤسسات الدولة ووقف انتشار دبابات الجيش في تركيا، وذلك بالتعاون مع جهاز الاستخبارات بقيادة هاقان فيدان، والذي تعرض لمحاولة قصف من قبل مروحيات الانقلابيين.

التأييد الشعبي

التأييد والدعم الشعبي للرئيس التركي وحكومته، كان له عامل أساسي في إفشال المشهد الانقلابي، إذ الاستجابة الشعبية السريعة لأردوغان الذي طالب مؤيديه بالنزول للشوارع والميادين لحماية الشرعية والتصدي للانقلابيين، أصابت قادة الانقلاب بـ”المفاجأة” أو الصدمة، إذ تناقلت الكاميرات مشاهد مواجهة المواطنين للدبابات العسكرية، وتقهقرها أمام تقدم صفوف المواطنين.

وكان للمساجد دعما معنويا، إذ فتحت معظمها الأبواب وأطلقت الأذان، داعية صفوف المواطنين النزول للدفاع عن الشرعية.

والأغرب في المشهد الراهن، هو عدم اقتصار التأييد الشعبي وإعلان الرفض للانقلاب على مؤيدي الحزب الحاكم فحسب، بل اجتمعت أحزاب المعارضة مثل “الشعب الجمهوري” و”الحركة القومية” و”الشعوب الديمقراطية” على موقف الرفض التام لأى محاولة انقلاب على السلطة، وإعلانهم لدعم شرعية أردوغان.

النهضة الاقتصادية

المتابع للانقلابات الأربعة السابقة بتركيا، يجد أن التردي الاقتصادي كان العامل المشترك فيها، خاصة في الانقلابات الثلاثة الأولى، إذ تبعها اضطرابات اجتماعية ومصاعب الاقتصادية، وكانت المساعدات الأمريكية حسب مبدا ترومان ومشروع مارشال نفدت في بداية الستينيات، وضرب الركود الاقتصادي البلاد، ولم يختلف الأمر خلال انقلابات التالية، ليتجاوز معدل التضخم الـ130% في نهاية السبعينيات، وتتجاوز الديون الخارجية 2.2 تريليون دولار، ما انعكس سلبا على مظاهر الحياة للمواطن التركي، وجعله رافض لأى سياسات حكومية آنذاك.

واختلف الأمر كثيرا خلال العقد الأخير، إذ شهدت تركيا نهضة اقتصادية بشهادة العالم في عهد حكومة “العدالة والتنمية” وأردوغان، حيث تم سداد كافة ديون صندوق النقد الدولي، وخفض حجم البطالة ومعدل التضخم، ورفع قيمة العملة التركية، وتحسين كافة المؤشرات الاقتصادية والظروف المعيشية لكافة أطياف المواطنين، وهو الأمر الذي دفعهم للهدوء والتأييد لسياسات الحكومة الراهنة.

تاريخ الانقلابات

والتاريخ الدامي للانقلابات العسكرية في تركيا، كان أحد العوامل المحركة للشعب التركي لإعلانه رفض انقلاب الأمس، إذ كانت الذكريات الدموية للانقلابات السابقة هي خلفية ذهنية للمواطن التركي الذي رفض دخول البلاد في صراع جديد بين أفرع وقيادات الجيش ومؤسسات الدولة، تنتهي بسقوط عدد من الضحايا والمصابين مثل انقلاب عام 1980 الذي انتهى بإعدام 50 شخصا واعتقال 650.000 شخص ومحاكمة الآلاف، ووقوع 299 حالة وفاة بسبب التعذيب.

وأعلنت النيابة العامة التركية أن الحصيلة الأولية لأعمال العنف المصاحبة لمحاولة الانقلاب بالأمس، كانت 42 قتيلا وعشرات الجرحى.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.