إدريس الدريس: شكرا لإيران ولتعدياتها

إدريس الدريس: شكرا لإيران ولتعدياتها

شارك

لو كانت المملكة دولة هامشية أو ثانوية في محيطها الإقليمي أو الدولي لما واجهت مثل هذه النكايات والمخططات، لكنها الكبيرة بأهدافها وتوجهاتها وستظل مستهدفة من الأعداء الواضحين والغامضين.
قد يبدو عنوان المقال مثيرا للاعتراض وربما موجبا للجدال، لكنه -من منظوري الخاص- أي العداء الإيراني والاستهداف المستمر من إيران للمملكة يجيء في صالح تعزيز وحدتنا الشعبية وزيادة تلاحمنا الداخلي.
كان يصيبني الحنق والحمق من الجبهات العدائية التي تفتحها إيران في اتجاه بلادنا بشكل متتابع، سواء إعلاميا من خلال العديد من القنوات الفضائية المؤجرة والمسخرة -فقط- للهجوم على المملكة، أو من خلال التهديدات الجهوية عبر البحرين أو عبر اليمن أو عبر العراق أو أن يكون تهديدها موسميا من خلال توظيفها وإحداثها للمشاكل في موسم الحج.
لكنني بعد كل هذه الإثارات والافتعالات الإعلامية والسياسية أجد أن هذا السحر ينقلب على صانعه، وأجد أن تدخلات إيران العسكرية تزيدنا صلابة وعزيمة على المواجهة، وأن كل تحرشاتها السقيمة بهذه البلاد قد زادت جبهتنا الداخلية صلابة وعززت من قدرتنا وقوتنا الدفاعية، ومثلما كان ذلك ملموسا خلال كل السنوات الماضية التي آلت فيها إيران على ممارسة سياسة الاستفزاز ومجانبة حقوق الجيرة وحقوق الأخوة الإسلامية ومراعاة الأعراف الدبلوماسية إلاّ أن وحدتنا الداخلية وتماسكنا الشعبي والرسمي قد زادا وتأكدا مع انطلاقة عاصفة الحزم، التي رفعت درجة الحس الوطني وأكدت على أن المساس بالوطن وأمنه واستقراره تجاوز لا يحتمل الصبر أو المجاملة.
يعمد السعودي إلى جلد ذاته وانتقاد كل شيء ويمارس السخط الذي يكاد يشعرك بأنه لا يجد ما يرضيه، بل ويعمد -غالبا- إلى مقارنة ما عنده بما عند الآخرين وهو في ذلك ينصف الآخر ولا ينصف بلاده، لكنه مع كل هذه السوداوية ومع كل هذه النظرة السلبية يكتنز في داخله حبا وولها وعشقا خاملا لبلاده وهو في ذلك يمارس العشق أو الحب السلبي الذي لا يعبر عنه إلا عند استشعار الخطر، وعندما يشعر أن مكتسباته المعيشية من الأمن والرخاء يمكن أن تُضار أو أن تُسلب، خاصة إذا تلفّت حوله ونظر إلى القلاقل والفتن والأزمات المحيطة به في الجوار القريب والبعيد.
أود أن أشكر إيران على مساعيها الدؤوبة ومناكفاتها التي لا تكل وحملاتها الإعلامية والدبلوماسية وخروقاتها السياسية والعسكرية والتي لم تتوقف منذ أن “خمهم” الخميني ونقلهم من حال إلى حال.
شكرا لإيران التي تفوقت على مناهجنا التي كانت مقررة لتدريس “الوطنية” فقد أسهمت وما زالت في زيادة وحدتنا وتعزيز قيمة هذا الوطن الغالي في نفوسنا.
ما زلت أذكر المقولة الشهيرة لأحد القادة السياسيين عندما قال: “لو لم يكن لي عدو لوجب عليّ أن أصنعه”.
هكذا هو قدرنا في المملكة أن نُستهدف من كثير من الأعداء وإيران “ليست إلا نموذجا”، لكن هذا الاستقصاد وهذا الاحتشاد من بعض الدول الكارهة لبلادنا إنما ينطلق من أهمية وقيمة الأدوار الكبرى المناطة بهذه البلاد، والتي حملتها وما زالت بقدر كبير من المسؤولية والعناية، سواء كان ذلك عبر دورها الإسلامي وكونها خادمة لأقدس مدينتين، أو لكونها قبلة المسلمين، أو من خلال أدوارها القومية ومحاولتها جمع الخلافات العربية وتوحيد الأهداف والرؤى، أو بالنظر إلى وزنها الاقتصادي العالمي وحفاظها على سياسة نفطية رشيدة.
لو كانت المملكة دولة هامشية أو ثانوية أو دولة صغرى في محيطها الإقليمي أو الدولي لما واجهت مثل هذه النكايات والمخططات، لكنها الكبيرة بأهدافها وتوجهاتها وستظل كذلك كما ستظل مستهدفة من المخالفين ومن الأعداء الواضحين والغامضين.
شكرا لإيران الواضحة وشكرا لبعض الغامضين من أشقائنا العرب الذين يمارسون لعبة القفز على الحبال.

نقلاً عن “الوطن”

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.