تأجيل القوة العربية المشتركة.. الرؤية والحلول

تأجيل القوة العربية المشتركة.. الرؤية والحلول

شارك

 مع حالة التشرذم التي يعيشها العالم العربي، الآن، والمخاطر المُحدقة به من كل الجوانب، يتجدد الحديث عن تأجيل إنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة؛ وما مبررات وأسباب هذا التأجيل؟ ومَنْ هم الذين يريدون إفشال هذا المشروع؟ ولماذا لا يكون لدينا- نحن العرب- قوة كـ«الناتو»؛ تكون بمثابة «درع وسيف» يحمي الوطن؛ ويزود عن الأشقاء في كل الأقطار. المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج، الدكتور ظافر محمد العجمي، استعرض تاريخ تعاون «الدفاع العربي المشترك» قائلًا: في عام1951م، وقعت اليمن والعراق والسعودية ومصر وسوريا ولبنان والأردن، معاهدة الدفاع العربي المشترك، ولم يكن ذلك توثيق ذلك التاريخ للاعتزاز بإطار تعاون عسكري مشترك بقدر ماكان ثغرة لكسر معنويات العسكرية العربية. أضاف «العجمي»: وفي تجاوز ظالم تم تهميش نجاح قوات الجامعة العربية المشتركة التي حلت محل القوات البريطانية في الكويت 1961م. بل تم تبني الوثائق والمصطلحات الغربية والصهيونية لتجاوز اختلاط الدماء الكويتية والمصرية في حرب 1967م، وسميت بحرب الأيام الستة في تمجيد غير واع لحركة قوات الجنرال إسرائيل تال”Israel Tal”، وتجاهل تام لحركة اللواء سعد الدين الشاذلي في سيناء. وواصل «العجمعي» قائلًا: كان هناك تعاون عسكري عربي في نصر أكتوبر 1973م. والحرب الأهلية اللبنانية أوقفت بقوة الردع العربية من 6 دول كإنجاز. ثم تحالف القوات العربية بحرب تحرير الكويت 1991م، حيث كانت قوات دول مجلس التعاون العمود الفقري له بعددها وأسلحتها. وحول تجدد الدعوة إلى إنشاء القوة العربية قال الدكتور ظافر العجمي، إن الرئيس عبدالفتاح السيسي، دعا في قمة شرم الشيخ 26 مارس 2015م، لتشكيل قوة عربية موحدة لمكافحة الإرهاب، وأن هذه «القوة» ليست موجهة لأي دولة، ولا تمثل محورًا أو تحالفًا أو تهديدًا لأحد، وإنما تهدف إلى حماية الأمن القومي العربي . وتعجب «العجمي» عند سماع خبر تأجيل التوقيع على البروتوكول الخاص بإنشاء القوة 27/8/2015م، من جانب وزراء الدفاع والخارجية العرب، مشددًا على أن هذه القوة كانت «ستحيي النظام العربي من جديد». موضحًا أن الأمانة العامة للجامعة العربية أصدرت بيانًا ذكرت فيه أن التأجيل جاء بعد تلقيها مذكرة من السعودية تطلب الإرجاء، وتأييد البحرين وقطر والكويت والإمارات والعراق لهذا الطلب، وهذه المرة الثانية التي يتم فيها تأجيل الاجتماع، حيث كان مقررا عقده أواخر يوليو الماضي. دوافع النشأة المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج، الدكتور ظافر محمد العجمي، أوضح أن فكرة «القوة العربية المشتركة» انطلقت عقب تعرض عدة دول عربية لهجمات إرهابية أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عنها. وكانت الإشكالية المحرجة أن الجامعة العربية ما كانت قادرة على التدخل لو وطلبت حكومة عربية منها العون؛ لأنه لم يتم إقرار قوة عربية مشتركة كذراع قوي للجامعة لوقف الإرهاب العابر للحدود، والمدعوم من دول كبرى من أجل إثارة الفوضى في المنطقة. وشدد «العجمي» على أن الغرب يحاول أن يظهر أمام المنطقة كالحامي لها من الإرهاب، لافتًا إلى أن التحالف الدولي وحملته الجوية ضد «داعش» في العراق وسوريا أظهر عدم جدواه. مؤكدًا على أنه لولا «عملية عاصفة الحزم» لوقف اغتصاب الشرعية في اليمن بدعم إيراني فاحش؛ لما كان لأحدٍ أن يوافق على فكرة قوة الدفاع العربي المشترك، موضحًا أن الانتصارات التي تحققت في اليمن بجهود خليجية، أعطت قوة دفع غير عادية لفكرة إنشاء القوة المشتركة، لأنها تعطي للعرب الثقة في إمكانية التدخل المستقبلي عسكريًا في أي شأن يهدد مصيرهم. أسباب التأجيل وأرجع الدكتور «العجمي» أسباب تأجيل القوة العربية المشتركة إلى عدة أسباب، فنَّدها على النحو التالي:- مواقف الدول المتباينة قال «العجمي» إن العراق وعمان رفضتا المشاركة، وتحفظت الجزائر، لافتًا إلى أن موقف العراق لا يحتاج إلى تفسير للسيطرة الإيرانية على دوائر صنع القرار، ولما اعتبرته سياسة غير ودية تجاهها عبر تشكيل تلك القوة، وآلية غير مقبولة لمجابهة سياساتها في الوطن العربي،كاحتلال الجزر الإماراتية والتدخل في البحرين والكويت واستخدام الملف المذهبي كورقة ضغط على دول الخليج. أما سلطنة عمان فتحفظت، لأن مسقط تعول على أن تتمكن الدول العربية من إنشاء القوة المشتركة، للأغراض والضرورات القائمة في الوقت لحالي، والمشاركة في المشروع لابد أن يكون وفقًا للنظام الأساسي للقوات المسلحة العمانية، الذي يحظر عليها أن تعمل خارج إطار مجلس التعاون الخليجي . كما أعدّ لبنان- والكلام لـ«العجمي»- كتاب الرفض مشروع البروتوكول تضمن ملاحظات أبرزها «عدم تحديد مفهوم الإرهاب»،و«احترام سيادة الدول»، و«آلية اتخاذ القرارات بالجامعة العربية باستخدام القوة»، و« وجوب تحديد مهام القوة المشتركة»، وغيرها. وبناء على مصادر خليجية، بحسب «العجمي»، فقد تم التأجيل من وجهة النظر الخليجية لبحث تفاصيل بروتوكول «القوة» التي تأتي تنفيذا لقرار القمة العربية. وليس هناك دافع اسياسيا وراء هذا التأجيل أو اعتراض أو مشكلة على تشكيل القوة، ولكنه بسبب مسائل لوجيستية وارتباطات خارجية لعدد كبير من الوزراء. ورغم أن الجزائر رقمًا مهمًا في تشكيل تلك القوة، بحسب «العجمي»، نظرا لما تتمتع به من قوة عسكرية، إلا أنها عارضت أن تكون جزءًا منها، ربما حتى لا تستفز التيار الإسلامي لديها. كما شكرتها فصائل ليبية مقاتلة لقطعها الطريق أمام التدخل العربي في ليبيا . الأزمات العربية واصل الدكتور «العجمي» تحليله لأسباب تأجيل القوة العربية المشتركة قائلًا: الصراع في ليبيا مثال على اختلاف الحسابات؛ والتي كان من تبعاتها كما يرى محللون عدة تأجيل إنجاز القوة العسكرية العربية المشتركة, فالرياض لديها وجهة نظر تقول باعتماد الحوار كأسلوب لحل الصراع في ليبيا، وليس التدخل العسكري المباشر، ودول الخليج تعي أن التكاليف المالية الباهظة لدعم «حفتر» بالقوة المشتركة ستتحملها دول الخليج. أما دول أخرى فتبذل جهودًا لإقرار مشروع القوة من أجل دعم «حفتر» في ليبيا، في مواجهة الجيش الموالي للحكومة الليبية في طرابلس، والمدعومة من المؤتمر الوطني الليبي والممثلة لقوى الثورة الليبية التي أطاحت بحكم القذافي في 2011م. كما لا تريد بعض العواصم العربية التورط في الصراع الليبي بمفردها، وبتشكيل القوة المشتركة سيتوفر الغطاء العربي لأي تدخل عسكري، كالحالة اليمنية تمامًا. نقاط خلافية عسكرية وحول النقاط الخلافية العسكرية، قال «العجمي»: حين يلتزم الخلاف بشرطي الوقار والموضوعية كخطين لاتنازل عنهما, يمكن القول بوجود جسور للتقارب، وهذا ما حصل في خلاف العسكر العرب من رؤساء أركان الجيوش العربية الذين اجتمعوا في القاهرة للاتفاق على تشكيل القوة العربية المشتركة، فعلى الرغم من التشديد على عدم وجود خلاف، يذكر مراقبون وجود عدم اتفاق حول من يطلب التدخل العسكري، أمين عام الجامعة العربية أم الدولة المعنية؛ وما هو شكل التدخل؟ فصل بين متحاربين أو انحياز لطرف دون آخر؛ وهل هي قوة ثابتة مجتمعة أم متفرقة تجتمع حين تدعو الحاجة إليها؛ وكيف يتم التدخل في دول عربية ليس فيها نظام معترف به؛ وهل تكتفي بضربات جوية أم يجوز لها التدخل البري؛ وأخيرًا هل للقوة قيادة مشتركة ثابتة، أم قيادة متغيرة بحسب كل عملية؟ الضغوط الخارجية وبالنسبة للضغوط الخارجية التي حالت دون إنشاء القوة العربية المشتركة، قال «العجمي»: اتهمت أكثر من جهة لم تقبل التأجيل الضغوط الخارجية والولايات المتحدة بشكل خاص بعرقلة مساعي تشكيل «المشروع»؛ لتحقيق رغبتها في إبقاء المنطقة تحت الوصاية الأمريكية. وأوضح «العجمي» أن التحرك الذي كان مزمع لضرب «داعش» في ليبيا، أظهر انكشاف واشنطن والغرب. لافتًا إلى أن «هناك من ذهب إلى وجود ضغوط صهيونية، فبعد أن تلقت تل أبيب خبر الاتفاق النووي، لن تكون مستعدة لتلقي خبر تشكيل قوة عربية موحدة». الموقف الخليجي من «القوة» هل تأييد العرب مشروع القوة، عودة للأيمان بجدوى الدفاع العربي المشترك، بعد انهيار نظام الأمن العربي على ضفاف الخليج بعد العدوان العراقي الغاشم على الكويت 1990م؟ يتساءل «العجمي»، ويجيب: نعم. وأضاف العجمي: البعد العربي وإن كان ضعيفًا إلا أنه أحد دوائر أمن الخليج، وطلب التأجيل لا يعني عدم تقدير البعد العربي. لافتًا إلى أن التأجيل جاء بناء على طلب سعودي، وبتأييد خليجي، وفق قوله. ولفت «العجمي» إلى تغير هيكل القوات الخليجية منذ 1991م، موضحًا أنها أصبحت من أوضح التحالفات العسكرية في القرن 21، إذ لديها قوة بحرية وجوية وبرية حديثة، وتعمل تحت شبكات موحدة للرقابة والإنذار الجوي والصاروخي المبكر مربوطة بغرفة مراقبة وإنذار مركزية، كما أن لها قيادة مشتركة. لافتًا إلى أن مقر قوات درع الجزيرة بحفر الباطن موقع استراتيجي لقربه من مناطق التهديد بدوافع إيرانية. وأوضح «العجمي» أن «درع الجزيرة» نواة جاهزة تتألف من فرقة من 30 ألف عسكري، بل أن قيادتها بخبرة 33 عامًا، من العمل المشترك تجعلها الأكثر تأهيلًا لقيادة الحلف العربي، وكقوة ضاربة للتدخل السريع. مستقبل القوة وبدائل عدم قيامها القوة المشتركة، كما أشارت مصادر صحفية، يسري مفعولها لمدة 5 سنوات، وسيكون قوامها 40 ألف جندي، إضافة إلى 1000 طيارحربي و3000 عنصر من القوات البحرية، والبروتوكول يحتوي 12 بندًا تتحدث عن مرتكزات إنشاء القوة، ومبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وعدم الانحياز لأي اعتبارات مذهبية أو طائفية أو عرقية، ومشاركة الدول اختيارية، وكل دولة تمول عناصرها. ورغم أن القوة العربية لن تكون بحجم وفعالية حلف شمال الأطلسي، لكنها- بحسب العجمي- ستكون مصدرًا للتهديد؛ يجعله يعيد حساباته. وإذا لم ير المشروع النور فإن هناك بدائل عدة، كما يقول «العجمي»، منها: نجاح هياكل عسكرية عربية أخرى في الحفاظ على القدر المقبول من الأمن العربي، أهمها حاليا التحالف العربي الذي يشن حربا في اليمن ضد الحوثي وقوات صالح. ثم اتفاقيات الدفاع الخليجي المشترك 2000م، بين دول مجلس التعاون وقوات درع الجزيرة. بجانب الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب 1998م، واتفاقية مكافحة الإرهاب الخليجية 2004م. بالإضافة إلى استمرار اتفاقية الدفاع المشترك الموجودة في ميثاق جامعة الدول العربية، والتي قد تقود إلى مايشبه النوايا الحالية.

 

عرض : ايمن عبد التواب

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.