سلامه عطاالله: فائدة هجمات باريس

سلامه عطاالله: فائدة هجمات باريس

شارك

هجمات باريس فتحت كل الأبواب، وأغلقت واحدًا، لينتهي الجدل بين المؤسسات الأمنية والسياسية حول المسؤولية عن سوء إدارة الحرب الداخلية على الإرهاب.

 

ربح الأمنيون الكارت، وانتزعوا مساحة طالما طالبوا بها، ولعل المدقق في تصريحات وزير داخلية الجمهورية، يتأكد من تغيرات مهمة، فقد صار لمديري الدوائر صلاحيات كاملة، ابتداء من تقييد حرية الأفراد إلى مصادرة المقدرات وصولا إلى المداهمة والاعتقال وحظر التجول وإعلان حالة الطوارئ، وهذا لم يكن ممكنا في السابق داخل دولة تعتمد مركزية صارمة في قراراتها.

 

لم يعد بين التقدير والقرار والتنفيذ سوى الحكومة، فلا برلمان ولا قضاء ولا أحزاب ولا مجتمع مدني، وهذا لن يقتصر فقط على حالة الطوارئ، بل سيصبح ثابتا لا يجرؤ أحد على تغييره، وستضمنه التغييرات القادمة في التشريعات.

 

الإخفاقات الأمنية تحتاج إلى مسؤول يدفع الثمن حسب العادة الأوروبية، وكان يمكن لأقطاب الأمن أن يجدوا أنفسهم بعد فترة خارج مواقعهم، لكن الواضح بأنهم قد كشروا عن انيابهم، متذرعين بأنهم لم يأخذوا الفرصة الكاملة، والحرية التامة، بل تم تعطيلهم من طرف المؤسسات القضائية والسياسية والتشريعية، فمثلا تضم قائمة “s” نحو اربعة آلاف متطرف، ومن بينهم من ثبت بأنه أحد منفذي اعتداءات باريس، بيد ان تصرف الأجهزة مع هؤلاء، مقيد بتشريعات، تحرم الأمن من التوقيف والاعتقال.

 

جدلية الحريات والاعتبارات الأمنية، لن تستمر سوى في المستويات غير المؤثرة، فكل حزب يطمح بالفوز، سيلامس التخوفات الشعبية من الارهاب، وحتى احزاب الوسط واليسار، لم يعد أمامها سوى “سرقة” تأييد من يؤيدون رؤى اليمين، وإلا فلا حظوظ وفيرة، سيما وأن الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية، وبمعدلات كبيرة، يفضلون السلبية السياسية،  فلا يذهبون لصناديق الاقتراع، ويكتفون برفع الاصوات خلال نقاشاتهم الداخلية غير المسموعة.

 

المسلمون المعتدلون باتوا أمام اختبار، فأي مساس بحضور ووجود العرب والمسلمين، سينعكس سلبا عليهم وعلى مستقبل أبنائهم، وفي ذات الوقت يحرصون على حماية مكتسباتهم، عبر إعلان تأييدهم للسلطات، وهنا يصبحون عرضة لاتهامات بعض قواعدهم الاجتماعية، وفي المقابل  ليس من المضمون أن يحصلوا على براءة من الشك في ولائهم للدولة وقيمها، وبين نارين، يتجه المعتدلون لمعسكر القيم الأوروبية، هاربين من متطرفين لا  يتوقفون عن الإساءة للمعتدلين بالسلوك والألفاظ والحكم والتقييم.

 

الفائدة اليتيمة للإرهاب في أوروبا، أنه سيعجل الحسم في تناقضات الهوية الاسلامية داخل الدول الغربية، في سياق الإجابة عن سؤال مهم: كيف تكون مسلما وأوروبيا في ذات الوقت؟.

 

فحتى اللحظة يتصارع المسلمون أمام مشروعين: أوروبي يعمل على إدماج القادمين في المجتمع الجديد وفق قواعده، والآخر إسلامي استطاع استقطاب الحائرين في هويتهم، والمشروع الأخير لم يستقطب الممارسين للطقوس الدينية وفقط، بل أوسع من ذلك، حتى تأسلمت مصطلحات كثيرة، وتتردد على ألسنة المسلمين في الغرب، أكثر من تكرارها على ألسنة سكان الدول ذات الأغلبية المسلمة.

 

أب يريد الحفاظ على تقاليده، ولا يرتاح إلا داخل عبائتها، وولد يحب والديه لكنه تعود على نمط الحياة في دولة الولادة والمنشأ، جدل داخل العائلات، وكذلك في عمق التجمعات والمجتمعات والجاليات المسلمة في الغرب، ومع وحشية الإرهاب، ربما سيتجه أولياء الأمور، الى التنازل عن تصميمهم السابق، باتجاه ترك أولادهم للمجتمع الأوروبي، فمهما كانت سلبياته، لن يكون أبدا بقتامة الاستبداد العقدي وما ينتجه من تصرفات عدائية.

قد يتساءل البعض: لماذا إما صوب هذا أو ذاك..!.

أنا لا أحب أن أكون بين خيارين فقط، لكن الحياة تدفعنا أحيانا كي نكون بين خيار واحد، فكيف سنكون..!!.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.